المسار الشامل بيد الرئيس!
رغم أن الحكومة أعلنت مراراً وتكراراً أنها أغلقت ملف التفاوض مع حركات دارفور، وأن من أراد السلام عليه التوقيع على اتفاقية الدوحة المبرمة مع حركة (التحرير والعدالة ) وبموجبها أصبح الدكتور ” التيجاني السيسي ” رئيساً للسلطة الإقليمية بدارفور، إلا أن الحكومة عادت وقبلت بطرح رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى الرئيس “ثابو مبيكي” بإعادة فتح التفاوض مع حركتي تحرير السودان “مناوي” والعدل المساواة الدكتور “جبريل إبراهيم” كمسار منفصل ومتوازٍ مع مسار المفاوضات مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
الحلقة الجديدة من مفاوضات دارفور بدأت أمس (الأحد) بأديس أبابا ويمثل الحكومة فيها الدكتور “أمين حسن عمر”، وقد أكدت الأطراف في الجلسة الافتتاحية وكالعادة، حرصها الشديد على تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الإقليم المنكوب منذ أكثر من (11) عاماً!.
الوسيط “أمبيكي ” يتحدث بحنكة ودهاء في كل مفتتح لمفاوضات عن مبادرة الرئيس “البشير” ودعوته للحوار الوطني لإنهاء كل النزاعات في أطراف السودان، لكنه يعود ويقول إن هذه المفاوضات على المسارين (دارفور – المنطقتين) تهدف لوقف الحرب وتحقيق السلام في كل السودان!!
إذن هو إفراغ للمبادرة من محتواها، لتكون حصرية بقاعة الصداقة بالخرطوم بين الحكومة وأحزابها وبعض الأحزاب (المنشقة) عن الحركة الإسلامية وحزبها الحاكم.. وعلى نفسها جنت “براقش”!!
الحكومة ترفض الحوار مع (الجبهة الثورية) ككيان واحد، وتوافق بالجلوس (بالقطاعي) مع مكونات (الجبهة) على مسارين!! مع أن التفاوض (المناطقي) و(الجهوي) يفتح الأبواب واسعة لمطالبات ومساومات كثيرة متعلقة بالسلطة، والثروة والترتيبات العسكرية والأمنية تزيد عن حدود العدالة والتناسب وفق حسابات السكان والمساهمة الكلية في الاقتصاد الوطني، كما حدث في اتفاقية (نيفاشا)، فقد حصلت الحركة الشعبية الجنوبية على نحو (ثلث) السلطة والثروة و(المناصفة) في قرارات (الرئاسة) بينما كان عدد سكان الجنوب أقل من (ربع) سكان السودان حسب الإحصاءات.. أو كما هو حاصل الآن في تركيبة الحكومة حيث إن عدد الوزراء والدستوريين من دارفور وجنوب كردفان أكثر من النسبة المتناسبة مع عدد السكان في تلك الولايات، مقارنة بظلم وتجنٍّ واضح على ولاية مثل “الجزيرة” أو مجموع ولايات (الإقليم الأوسط) سابقاً.
الأهم والأخطر من كل ذلك أن المفاوضات (المناطقية) ترتفع فيها درجة المزايدات السياسية وتعلو فيها النبرات (العنصرية) ، فتصل لمرحلة المطالبات بالحكم الذاتي وتقرير المصير، كما فعل “ياسر عرمان” الأسبوع الماضي في جولة “أديس أبابا ” حول المنطقتين!!
أما التفاوض المفتوح والشامل حول قضايا الوطن الكلية، فيتساوى فيه المتفاوضون، ويتسابقون جميعاً لتأكيد الولاء الوطني لدولة واحدة و شعب متحد، وتتركز المخرجات دائماً على الإصلاح الدستوري والقانوني بالتوافق على مشروع دستور جديد ودائم، والتأسيس لمبادئ العدالة، الديمقراطية، المساواة والحريات العامة.
خسائر الدولة والشعب تكون عادة أكبر مع كل توقيع جديد وتنفيذ لأي اتفاقية محصورة على (إقليم) أو (منطقة)، وهذا ما حدث بالضبط جراء الاتفاق (الثنائي) بين الحكومة والحركة في جنوب السودان، ما أسفر عن انقسام الدولة لدولتين، وهو ما سيحدث في نصوص أي اتفاق حول المنطقتين، وقد حدث بالفعل في اتفاق (نافع – عقار) الذي – ولله الحمد – كان لنا شرف المنافحة ضده، وإسقاطه على الأقل على مستوى الرأي العام، قبل أن يوجه الرئيس والمكتب القيادي للحزب بنفض يد الحكومة عنه، فاستجاب دكتور “نافع” كاظماً غيظه، محنياً رأسه للعاصفة !!
ما دام (المؤتمر الوطني) قد ضمن أو كاد.. تجديد رئاسة الجمهورية لمرشحه المشير “البشير” في انتخابات أبريل القادمة من غير عبء مواجهة مع مرشحين ذوي ثقل، فما الذي يمنع الحزب الحاكم من تأجيل الانتخابات (البرلمانية) وفتح الحوار الوطني على كل القضايا دون سقوفات وخطوط حمراء، ليكون الاتفاق شاملاً لكل طلب أدنى من سقف (الرئاسة).. حريات حقيقية ومفتوحة للجميع.. انتخابات نيابية حرة تجعل مصير المؤتمر الوطني في كف القدر وجهده مثله مثل حزب (البعث العربي الاشتراكي) والحزب (الشيوعي السوداني).. عدالة ومحاكمات للمفسدين دون حماية او حصانة لأحد.. والنتيجة برلمان قوي بصوت وسلطات ونفوذ وحساب رادع للجهاز التنفيذي (بعد استحداث منصب رئيس وزراء).. والنتيجة استقرار ووقف للحرب وانطلاق للتنمية والرفاهية.. بينما تبقى للرئيس سلطة الإشراف على القوات المسلحة والأمن والمخابرات، لضمان استقرار البلد وعدم انفراط عقدها بالخلافات السياسية.
الأمر لا يحتاج لـ “مبيكي” ولا اتحاده الأفريقي.. ولا مجلس الأمن وتدخلاته.. الأمر كله بيد الرئيس لا تفصله عنه سوى بضعة مراسيم دستورية.. فيجعل أمريكا وكل العالم المعادي فاغراً أفواهه.