حرب الشائعات
برزت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت ومزعج ظاهرة منصات تحرير الشائعات والأخبار المضروبة التي تستغل وسائط التواصل الاجتماعي لتتحول من فرية صغيرة إلى قصة وحدث يتضخم بالإضافات والنقل، وبعض هذه القصص يعتمد على إسناد الأمر والواقعة لأسماء حقيقية أو الاستفادة من ذيوع موقف لأحد أبطالها، وغالب هذا النوع ينحو باتجاه التلويث لأغراض سياسية ثم سرعان وربما من ذات المنطلق تحول الأمر وتجاوز الأشخاص لملامسة البلاد خاصة في الجوانب الاقتصادية أو الصحية. والغرض من ذلك التأكيد على أن السودان في ظل هذه الحكومة قد انتهى وطالته علل الفساد والأوبئة.
أقرب الأمثلة الشاخصة ما تعارف عليه رواد الأسافير برواية ووثيقة “اريك ريفز” خزعبلات اجتماع اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، ثم محاولة جر وزراء سابقين وحاليين لشبهة استغلال مناصبهم بشراكات في أعمال استثمارية، اتضح لاحقاً أنها (خيال واسع) من شخص طموحه أكبر من واقعه. ولا يكتمل الاستشهاد عندي إلا وبالأتيان بما أشيع عن وجود حالة لإصابة بالايبولا بمسشتفى إبراهيم مالك وما تلى ذلك من ذيوع أخبار عن فرار المرضى والمرافقين، وضرب الهلع والخوف لأطقم الأطباء والعاملين بالمستشفى. وأذكر أنه وحينما اشتعل حريق الأكذوبة أني قصدت أمس الأول مساءً المستشفى الكائن بحي الصحافة ولم أجد مرضى يفرون أو مرافقين يجرون، وكان العمل يمضي كالمعتاد وإن تأثر حتماً بما يشاع على نصوص مرويات (الواتساب) وملاحقاته من وسائل نشر لا تتقيد بضوابط سوى أقطع وألصق وانشر (وكتر المحلبية) !!
مثل هذين المثلين كثير ومتعدد، والحق أن استخدامات السودانيين للمدونات وخدمات الإعلام الجديد تتميز بسلبية مميتة ستدخل البلاد يوماً وأهلها في جحر ضب، خاصة إن استمرت الصحافة المحلية في استهلال عملية الالتقاط والانجرار خلف الأمر دون تثبت أو إعمال المعايير المهنية الدقيقة اللازمة، لمنع تسرب الغرض من بين السطور والنصوص. وللأمانة فإن الأخبار في الصحف صارت تتأثر بتلك القصص وتقوم عليها في الغالب بالإضافة والتهويل، أو الدحض الفاتر غالب منتوج اليوم التالي، وليس أدل من هذا أن خبر مستشفى إبراهيم مالك المفترى عليه مهدت له صحيفة محلية بمانشيت صارخ ملتاع عن إثارة مريضة للذعر بالمستشفى الكبير، وبالتالي اكتسبت الحكاية أجواء مناسبة ومواتية للدعم والانتشار مما اضطر وزارة الصحة للنفي ببيان مطول كان لافتاً فيه أنه كتب باستعجال كاد أن يدمره بأخطاء لغوية فادحة.
قد يتضرر أشخاص من هذه الحرب في سمعتهم، وقد يتأذون ما في ذلك شك، لكن الضرر الذي لن يمكن جبره سيطال سمعة البلاد وهو ضرر لن يمايز بين مؤلف الشائعة ومفبرك الأكذوبة وبين المواطن الأعزل. وستتضرر مقدرات السودان الاقتصادية بلا شك جراء عدم المسؤولية الأخلاقية في هذه الأمور وهو ما يتطلب حضوراً أكثر صرامة بالقانون – أكرر بالقانون – لضبط أي تفلت. وأعتقد أن ثورة الاتصالات مثلما أفرزت آليات نشر فإنها أوجدت طرائق ضبط وإحضار.