البرنامج أم الشخوص
انخرط الجميع في جدل لا يزال متصلاً بشأن تقدم الرئيس إلى الأمام وإفساحه مقعد الرئاسة لآخر من حزبه أو أن يبقى لإكمال مهامه، لاسيما أن البعض يرى أن الرجل هو الأوفر حظوظاً لنيل مقبولية السودانيين من شايع الحكومة أو ناهضها. وللأمانة فإن ميزات “البشير” عديدة وقطعاً فإن لكل من يرشحه المؤتمر الوطني رئيساً للحزب ومرشحاً ميزات وفضائل جعلت منه محل الثقة للتقديم وأكثر من ذلك، أي حزب محترم في الدنيا يقدم في مثل هذه المناسبات من يحظون بالثقة والقدرة على الإنجاز، والمتميزين الذين يشرفون حزبهم ووطنهم الكبير خاصة في مثل حالة الوطني الحالية، إذ أن مرشحه كرئيس للحزب هو مرشحه كرئيس للبلاد، ولذا فمن الطبيعي المنطقي أن تحظى الدورة الحالية للمؤتمر الوطني بمتابعة عالية وتدقيق واستقراء سواء من عضوية الحزب أو عموم الجمهور.
في هذا الخضم لا يبدو أن الجميع منتبهون إلى أن الاستحقاق الرئاسي نفسه وغض النظر عن عمن سيجلس ومن سيحكم، يرتبط بانتخابات نيابية ورئاسية بعد أشهر معدودات يجب أن يكون الموجه فيها حسب ما أفهم البرامج وليس الشخوص. وصحيح أن اللمسة الشخصية للمرشح خاصة في الانتخابات السودانية لها أثرها ولها بعدها، لكن الأساس في أمر الحكم خاصة للأحزاب والرئيس المقبل والمنصرف قبله، إنما يمثل حزباً طرح خططاً ومشروعات وبرامج بشر فيها معشر السودانيين بالأمن في البلد والسلامة في الولد ورغيد العيش وكريمه. فهل سأل سائل من هؤلاء المصطرخون حول خلافة الرئيس كيف هو موقف المؤتمر الوطني قبلاً من حكم الشعب عليه.
تقدم “البشير” لمقعد الرئاسة أم تجاوزه لآخر من رهطه أمر سيتم في النهاية وقياساً على سابق سيرة المعارضين وبؤس خطابهم وسوء عملهم، فالراجح أن كل رداء المؤتمر الوطني في الرئاسة سيكون جميلاً، ولكن تبقى القضية الجوهرية وهي الأولى بالنقاش ووزن البينات بشأنها، فهل قاد الحزب الحاكم البلاد والعباد على طريق مشروعه الانتخابي الزاهي، بالشكل الذي يجعلنا نحاسب أنفسنا والتاريخ بأن الذي تحقق يقاس بالنسبة كذا والحجم كيت!
وقد قلت عقب انتهاء الانتخابات الماضية وتنسم المؤتمر الوطني بمشروعية الجماهير، إن على الحاكمين بتفويض الصناديق الانتخابية وقد أكرمهم الشعب بفوز عريض ومستحق، رد التحية بأحسن منها في سياق تقديم الخدمات والرأفة بالناس وتقديم الأنموذج الوافي في نزاهة اليد وعفة السلطان. وإن على النواب وممن كلفهم الشعب بهموم نيابته النزول إلى القواعد كل لمحة بصر وسربة نفس فهل وقفت جهة ما على إقامة موازين قسط لمعرفة مدى تطابق ما رفعنا من شعارات وما أنجزنا من أعمال، مع إدراكنا أن بعض الطارئات ربما تكون قد أعاقت مجمل الترتيب الإستراتيجي والعملي للمشروع برمته، ولكن هذا لا يسقط إمكانية قياس الثوابت الأخرى وفك شفرة البيان فيها. إن الأساس في قلقنا وجوهر أمرنا تحسس برامجنا وتقييم مشروعنا، لأنه للوطن والوطن باقٍ والجميع عداه زائلون.