المجلس التشريعي للمساكين!!
أضر وأقبح السلوكيات المسيئة والمؤثرة على صورة الدولة صدور قرار من أي المقامات ثم يكتشف المواطنون أن قرار الحكومة عطلته الحكومة نفسها! ولهذا تجدني مشفقاً على البعض من المسؤولين ممن يتطوعون بقرارات وموجهات سرعان ما يتم طي صفحتها وتجاوزها وحبرها لم يجف، والسبب قد يكون عدم التنسيق أو حماسة الحديث، وقد يكون قراراً متفقاً عليه لكن يد المنون طالته وليس لميت رأي على وزن (ليس لحبيس رأي)، ولهذا تجدني كذلك في أشد حالات الإشفاق على وزارة المالية التي بشرت الناس براتب شهر بخلاف الراتب المستحق عبارة عن حصيلة متأخرات أو شيئاً مما شابه، والراجح عندي حتى إن أوفت المالية وخزانتها بالدفع أن تتلكأ كثير من الجهات خاصة في القطاع الخاص، وربما بعض الجهات الحكومية التي ستحمد الله أن منحت عمالها رواتب شهر سبتمبر قياساً على مفهوم (احمدوا الله وبوسوا إيديكم وش وضهر) كما يقول الكنانيون.
ومثل الوعود غير المنجزة، مثال آخر بسيط، يتعلق بتدخل المجلس التشريعي لولاية الخرطوم بقرار أوقف قيمة الدخول بالتذكرة للميناء البري عن الجنيه ونصف الجنيه عوضاً عن ثلاثة كاملة كانت تتحصل من المواطنين أثارت حنقهم.. الولاية والمجلس أو جهات حكومية أخرى صوبت نقدها للقرار وأبطلته وعدته كأن لم يكن، ثم سرعان ما اكتشف الناس أن التعرفة هي ذاتها وأن حكومة الولاية قررت، لكن أهل الميناء البري أخطروا المواطنين حسب المتداول من إعلاميين ثقات يغشون الميناء صبحاً ومساء أن السعر ثابت ولم يتغير وأن على الركاب الداخلين دفع المبلغ عن يد وهم صاغرون!
مثل هذه الإخفاقات الصغيرة تحدث شروخات عظيمة في بناء الثقة بين الحكومة ومواطنها وتنتج حالة من الحيرة بين أفكار وقرارات جميلة وواقع صادم يعاكس ما نشر وأعلن عنه وسينصب السباب والاستياء حينها على شكل الدولة النظامي، باعتبار أن المواطن المصطدم بهذه الاضطرابات في المواقف يعرف فقط أن مسؤولاً ما باسمه ووصفه قال (كيت)، بينما موظف في أدنى السلم وقاع النظام قال قولاً آخر ولا يخاف عواقب قوله أو فعلته، وهذا وضع بالجملة سيحدث شكلاً سالباً في وضع علاقة يفترض أن تقوم على الثقة والإيمان بقدرة الحكومة على القول والفعل، وهو الأصل في ترسيخ علاقة الناس، كل الناس، بالنظام والشكل العام للدولة والحكومة كجهة تقرر وتحدد شكل مسار المصلحة على قاعدة خدمة الشعب وليس خدمة الموظفين ومؤسساتهم.
توجيه محدد ومعلوم مثل فئات تذاكر الدخول للميناء البري شأن ولائي محلي، فإن كانت الولاية لا تستطيع ضبط مسارات تنفيذه فما بالك بقرارات أخرى في دوائر وأطراف أبعد؟ ولئن كان تعديل فئة دفع من ثلاثة جنيهات إلى النصف كما هو السائد قبل الاعتراض قد تحول إلى (كلام ساكت)، فمن سيدفع يا ترى حجم الضرر الذي وقع على صورة ولاية الخرطوم ومجلسها التشريعي المسكين؟!