استراحة (الجمعة)
كلما عبرت بنا مركبة كبيرة أو قطار الحدود بين فرنسا وسويسرا في رحلتنا اليومية طوال عشرة أيام أقمناها هنا، في بلد لا تعرف شيئاً عن مشكلات عالمنا الذي نحن به فرحون، أتذكر دوماً والسيارة أو القطار يعبر كشكاً صغيراً هو الحد الفاصل بين دولتين.
إن في بلادنا قضية اسمها حلايب وأخرى اسمها أبيي وأن وسيلة تنقلنا في عاصمتنا الخرطوم هي بصات الوالي وركشات كاشا وزير التجارة الذي يتحمل كل أوزار الركشات وحسناتها، لأنه من صدق بدخولها من الهند للسودان.
في فرنسا التي نقيم فيها لأسباب مالية محضة لأن فنادق سويسرا بمقدورها امتصاص نثرية السفر المتواضعة في يومين، تعبر يومياً آلاف البصات والقاطرات منها إلى ايطاليا وهولندا وبلجيكا بلا تأشيرات دخول ولا تعقيدات مرور مثل ما هو عندنا في السودان. عشرة أيام ونحن نعبر حدود دولتين
وأجانب بسحناتنا السوداء، حتى “عبد الله فكي” الذي يعتبر نفسه في السودان قريشياً من آل البيت الهاشمي، لم يسألنا عسكري الحدود الذي يراقب حركة مرور السيارات من غرفة متواضعة.
وفي السودان عند نقطة عبور جبل أولياء وأنت
قادم من غرب السودان الموبوء بالتمردات أو النيل الأبيض المشبوهة، تجد فرقاً وجماعاتٍ في انتظارك قبل أن تدفع مقابل السير في شارع الحكومة، يلتقيك أولاً جيش المرور لتفتيش السيارة والبحث عن ثغرة تتسلل منها الدولة لجيبك، وإن خرجت نظيفاً عليك التوقف أمام شرطة المعابر ليسألك أحدهم بلغة خشنة ماشي وين، وبعدها تمر على آخرين بملابس مدنية يرمقونك بنظرة تدخل الرعب في جوف خالد بن الوليد، وقد يشير إليك بالتوقف أو المرور وأخيراً تذهب لكشك رسوم العبور، هذا داخل بلد واحد بينما أوروبا تجاوزت محطة التفتيش.
عبر بي القطار من”جنيف” إلى “بروكسل” عاصمة مملكة بلجيكا ولم يسألني أحد عن جواز
سفري، ولم يفتش أحد حقائبي ولكني عندما وطأت أقدامي أرض بلجيكا، تذكرت أن هؤﻻء القوم هم من خانوا باتريس لوممبا في بلاد الكنغو ولوممبا رمز لفخرنا وعزتنا نحن الأفارفة، كما يفخر العرب في شمال أفريقيا بـ”طاهر بن جلول”و”جميلة بوحريد” التي تغنت لثوار الجزائر.
يوم (الأربعاء) الماضي كنا عصبة من السودانيين في طريقنا من مدينة فيرني فولتيير التي منها خرج ذلك الشاعر الفرنسي الكبير إلى جنيف، وجلست بالقرب من سيدة جزائرية وأخذنا نتجاذب الحديث وغالباً ما يبدأ الحوار بين أي سوداني وجزائري عن منتخب الخضر أحفاد بن بيلا، ولا ينسى شعب الجزائر واقعة أم درمان وهزيمة المصريين. سألتني عن الرئيس “البشير” وهل سيترشح مرة أخرى، قلت نعم القرار عند حزبه، فقالت عندكم العسكريون عندهم أحزاب فقلت لها كيف صحة بوتفليقة فقالت ليست جيدة، فقلت لها هل يتحرك فقالت لا نتحرك نحن. ضحكنا وافترقنا كل ذهب لمقصده. الناس هنا حياتهم مرح وفرح لا تجد وجوهاً عابسة عليها قترة ترهقها الأحزان.
نعم بين الأوروبيين خلافات ومشكلات لكنها تحل بالحوار لا العضلات والسلاح، هنا العدالة والديمقراطية وهناك في بلداننا نختلف حول حلايب وأبيي ولا نملك إرادة لحل خلافاتنا، كل منا يريد كل شيء وفي الآخر لا يحصد أي شيء.
وجمعة مباركة