"الدوحة" أم "أديس" !!
حسب المنسوب إلى الرئيس “ثامبو أمبيكي” رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى فإن استئناف المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية ـ قطاع الشمال، حول (المنطقتين) سيكون في (12) أكتوبر المقبل، وبدء التفاوض مع متمردي دارفور في (15) أكتوبر، تمهيداً لبدء الحوار الوطني الشامل، وإن كانت جولة المفاوضات – هي السابعة – حول المنطقتين مفهومة ولكن الغريب لي في الخبر كان الحديث عن مفاوضات حول دارفور، لأن المعلوم أن “أمبيكي” لا يتضمن تفويض أنشطته هذه الناحية من القضية السودانية، فدارفور منبرها في “الدوحة” عبر وثيقة السلام التي وقعت هناك ولا تزال مفتوحة لاستيعاب أي حركات أخرى.
قول “أمبيكي” يبدو أن فيه إما اضطراب في النقل واشتباه في التبيين، أو أنه يعني اتجاهاً جديداً مغايراً ينقل ملف مفاوضات دارفور أيضاً إلى “أديس أبابا”، وهذا يبدو غريباً، فوساطة قطر ورعايتها لاتفاق “الدوحة” لم تتعرض لأي انتقاص أو مطالبة من الجهات المستفيدة من الاتفاق والملتزمة به، سواء من جانب الحكومة السودانية أو الحركات الدارفورية الموقعة على الاتفاق والمشاركة الآن في السلطة المركزية بالخرطوم أو السلطة الإقليمية بدارفور. ولهذا فالراجح أن تصريح الوسيط الأفريقي بحاجة إلى إعادة تصويب أو تقديم شروحات بشأنها من جانب بعض الجهات، خاصة أن الفارق الزمني حسب تصريحات رئيس الآلية الأفريقية تشير إلى فاصل ثلاثة أيام بين مفاوضات المنطقتين من حيث الانطلاق ومفاوضات دارفور.
مسألة وجانب آخر في الخبر يتعلق بالحديث عن مفاوضات حول الحوار الوطني، وهذا أيضاً يبدو تخريجاً غريباً، فقضية الحوار من حيث الأهداف والمقاصد والجهات المشاركة قد قتلت بحثاً، وأتى التطور الجديد عقب لقاء “أديس أبابا” والذي أشار بوضوح إلى دخول كافة الأطراف فيه، ولذا فالصحيح أنه سينطلق من الداخل ولا يبدو منطقياً إقامة حوار حول الحوار أو تفاوض، لأن القضايا نفسها معروفة ومحسومة، توجد قضايا سياسية مثل الحريات والانتخابات والاقتصاد والعلاقات الخارجية هذه مكانها طاولة الحوار بالداخل، وأما قضايا الترتيبات الأمنية والإنسانية وما إلى ذلك على صعيد قضية المنطقتين أو دارفور فتلك منابرها معروفة والأطراف المشاركة فيها محددة، ولذا والله أعلم فاعتقد أن التصريحات المنسوبة إلى “أمبيكي” فيها شيء من الخلل أو القصور في نقطة ما، أو أنها كما قلت ستعني انقلاباً كبيراً في كامل المفاهيم المعروفة لتلك العناوين والقضايا.
وعلى كل حال فالموجب في هذه المسألة غض النظر عن التفاصيل تصاعد مساحات الحديث الجديد عن الحوار والتفاوض كآليات لحل وتسوية القضية السودانية في سياقها الأمني والسياسي، وهذا قطعاً توجه حميد وطيب لأنه في كل الأحوال أفضل من حالة الاحتراب والحلول عبر خيارات العنف والفظاظة، ولذا من المهم الآن دعم مثل هذه التوجهات مع الوضع في الاعتبار الاحتياطات اللازمة لتفادي سوء الفهم الذي عادة ما ينسف جسور التواصل ويرد الجميع إلى وضعية التأهب والتشنج.