الجميع رابحون
إن ما جرى بـ”أديس أبابا” من بيان مشترك، وثيقة، اتفاق (جن أحمر) بين موفدي الحوار الوطني ممثلاً في لجنة الاتصالات الخارجية والطرف الآخر من الحركات المسلحة، اختراق كبير كما قلت بالأمس، نشدد عليه ونكرر بأهمية التعامل معه بوعٍ وواقعية وتغليب حسن الظن والمصلحة فيه عن أي حذلقات مميتة مثل تلك التي يبرع فيها البعض، ممن يجيدون تهييج المواقف والعبارات، فلا ينعقد في هذه البلاد منشط أو مكره إلا وكانوا حاضرين بتفسيراتهم القاصرة. وأتمنى صادقاً بأن تنهض آلية الحوار الوطني (7+7) بواجب الذود عما أحدثت من اختراقات، وأن يتصدى المؤتمر الوطني تحديداً والبروف “إبراهيم غندور” عيناً برفع رأس الحقائق والأسانيد، حين دعم متاحات ما يلي الخطوة الكبيرة التي مضى بها الفرقاء تحت ظلال الحوار الوطني.
تلوح الآن فرصة ذهبية ليتجاوز الجميع بهذا الوطن خانات الفرقة والتجريح والعلوق في محطات الاحتراب والكراهية المتبادلة، أسخن الكل بالجراح وأرهق الناس وربما ملوا التلاوم ومن فعل ماذا، من حق هذا الشعب وهو متسامح وبار أن يرى أبناءه يجمعون حوله ليمضون به إلى الأمام، والطريق ممتدة والجوار الإقليمي كله يصعد مراقي الاستقرار والتنمية، وبلادنا من طاولة حوار لأخرى وكل حرب فيها تلد أخرى، وأن الوقت حان لإيقاف هذا بأي طريقة وثمن.
إن استيعاب الحوار الوطني لكافة الفرق السودانية والأحزاب، إنما هو تقوية لمخرجات الحوار وتأمين لعملية سياسية راشدة لا تترك خلفها غائباً، فإن حدث هذا فربما للمرة الأولى في تاريخنا السياسي يتوافر إجماع لمشروع وطني كالذي نحن بشأنه هذه الأيام. ولهذا وبقراءة وافية لكل بنود ونصوص “أديس أبابا” فالشاهد أن الكل رابحون فيما جرى وتم، لا يوجد خاسر حتى الآن والراجح أن كل طرف بالحكومة والمعارضة قد نال الآن نقاطاً في رصيده، لأنه وببساطة فقد فعلت البنود الثمانية مطلوبات كل الأحزاب حول قضية الحوار الوطني. فالحكومة التي كانت مثلاً تؤمل على مشاركة الحركات المسلحة ضمنت الآن دخول الفصائل للعملية، ولا اعتقد أنها في أفضل تقديراتها كانت تتوقع هذا، وهكذا قس على بقية البنود التي تمنح هذا وذاك.
الأهم من هذا وعلى صعيد مسار السلام أن قضية دارفور والمنطقتين ستدخل الآن حيز الانفراج والتسوية عبر مشروع للسلام خال وبعيد عن المؤثرات السالبة، فحتى الجولة السادسة الماضية كانت كل فرص الانفراج تصطدم برجوع الحركة الشعبية للوراء تخوفاً من اتهامات التخوين ببيع حلفائها أو لمعاناتها من إشكاليات تتعلق بارتباطات تتداخل فيها خطوط دارفور مع جنوب كردفان، ومانفستو قطاع الشمال مع حركة العدل والمساواة والذي يحدث الآن أن عملية فرز أوراق وألوان قد تمت بين الكل، ولم يعد متاحاً منذ اليوم سواء في الحوار الوطني أو المفاوضات، أن يتحدث أحد بالنيابة عن جهة أو يتخذ موقفاً فقد عرف كل أناس مشربهم.