مؤتمرات الوطني..!!
{ قامت الانتخابات في موعدها العام القادم أو تم تأجيلها لمقتضيات جمع الصف والحوار الوطني المتعثر حتى الآن، فإن المؤتمر الوطني أكثر الأحزاب جدية في دخول التعددية الحزبية الرابعة المنتظر ميلادها بقيام الانتخابات القادمة أو بالوصول لاتفاقية سلام تنهي حقبة سوداء من تاريخ بلادنا خيمت عليها الحروب والدماء وشظف العيش والانقسام الحاد في مكونات المجتمع السوداني الذي كان موحداً حينما خرج الإنجليز من بلادنا عام 1956م، ولكنه بعد (58) عاماً من الاستقلال بات أكثر تشظياً وتبعثراً.. وكادت أن تستحيل الحياة في السودان.. المؤتمر الوطني خلال شهر سبتمبر الجاري يعيش خريفه هاطل المزن بعقد مؤتمراته الولائية واختيار مرشحيه للمناصب التنفيذية وسط إقبال كبير جداً من قواعد الحزب على المؤتمرات.. واهتمام إعلامي داخلي وخارجي بتداعيات التنافس الحميد بين قيادات الحزب في مناخ ديمقراطي حقيقي، حيث (تخلص) المؤتمر الوطني من إرث الوفاق والتوافق والإجماع السكوتي في هذه المرحلة، وباتت صناديق الاقتراع هي من يحدد من يأتي ومن يذهب.. وحتى اليوم انعقدت مؤتمرات في أكثر ولايتين إثارة في الإعلام هما سنار والنيل الأزرق، ولكن المنهج الديمقراطي المفتوح والحرية التي مارستها قيادات الحزب في اختيار من ترشح وتعتقد أنه القوي الأمين قد خفف من حدة الصراعات التي كانت تصبغ الممارسات، إلا أن بعض المظاهر السالبة لا تزال شاخصة في بعض الولايات، كالأحداث في غرب كردفان، حيث بات الوالي الجنرال “أحمد خميس” يشكل خطراً داهماً على مستقبل الحزب بتلك الولاية كما قال “سالم الصافي حجير” أحد قيادات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1974م وقد ضاق صدر الرجل، أي الوالي “خميس”، بممارسة أعضاء حزبه لحق كفله الدستور ولوائح الحزب ففصل من فصل من الوزراء والمعتمدين، وهدد آخرين بالويل والبثور وعظائم الأمور إن لم يذعنوا له ويصوتوا لصالحه!! والمؤتمر الوطني في المركز يقرأ ممارسات اللواء “خميس” ولا يقدم على محاسبته، ربما لحسابات خاصة، ولكن بقية الولايات وخاصة الطرفية منها تسود روح المسؤولية في الممارسة.
{ البروفيسور “إبراهيم غندور” قال إن كل تكاليف مؤتمرات الوطني تكفل بها الحزب من عائدات اشتراكات العضوية، وقد فطم المؤتمر الوطني منذ فترة نفسه من ثدي الحكومة وبات يعتمد على نفسه حتى ضاق كثيرون من أعضاء الحزب من شح المال والعجز عن الوفاء ببعض الأنشطة، وفي بعض المحليات بالولايات التي تعيش ظروفاً استثنائية اضطر المؤتمر الوطني إلى إغلاق بعض دوره، وفي ذلك شهادة لصالحه بأن هذا الحزب يعيش مشاكل مواطنيه ويتأثر بالأزمات الاقتصادية وشح النقد.
{ مررت أمس بالقرب من دار المؤتمر الوطني بشارع المطار، وقد ارتفعت أعمدة برج الحزب الواقع في مقره القديم.. وحينما يكتمل بناء دار الوطني ستصيبه سهام حسد وسهام تربص وغيرة من كثيرين.. إلا أن دار الوطني تشرفه كحزب وتشرف السودان كوطن.. وليت كل الأحزاب شيدت لها دوراً مثل المؤتمر الوطني حتى لو وجدت المساعدة والدعم من الدولة، لأن الأحزاب جزء من الدولة والمجتمع، وحينما يستقبل “المهدي” أو “الميرغني” ضيوف حزبه في دار تليق بنا كسودانيين، فإن ذلك فخر لوطننا وأحزابنا وتجربتنا.