أخبار

السوق والسياسة (2)

ما يحدث الآن من ضنك في المعيشة وارتفاع جنوني في الأسعار وشح في الأدوية الضرورية للحياة.. ونقص في خدمات الكهرباء.. وتعثر في صادر الإنتاج الزراعي والحيواني هو ثمرة مرة للحصار الاقتصادي الأمريكي الذي امتد منذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي.. ولكن الأمريكان عجزوا عن تحريض الدول العربية التي من حولنا وخاصة السعودية والإمارات والكويت وقطر.. لمقاطعة السودان اقتصادياً.. الآن رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها السودان وخطابه السياسي (المعتدل) والتخلص عن مفردات مثل أمريكا تحت أحذية السودانيين والوعد والوعيد بالعذاب على أيدي السودان لأمريكا وروسيا.. ولكن العلاقات الخارجية ساءت جداً مع العرب الخليجيين ومصر التي تمثل الآن أهمية إستراتيجية للغرب باعتبار المصريين استطاعوا اقتلاع نظام حكم ديمقراطي جاء بالإسلاميين وتنصيب حاكم علماني وهب نفسه للقضاء على التيارات الإسلامية داخل مصر وخارجها!!
والآن يتعرض السودان لحصار اقتصادي قاتل وضار جداً وحكومتنا تتجه للمعالجات الاقتصادية الوقائية المؤقتة والمسكنات التي لا تشفي جرحاً ولا جسداً أنهكه المرض.. مثل إلغاء بعض الضرائب والرسوم على وارد الزيوت.. ودعم الخبز ورفع الدعم عن الوقود بحلول شهر يناير القادم وحزمة معالجات لولاية الخرطوم لدعم الشرائح الفقيرة، ولا تفكر النخب والقيادات في معالجة أصل الداء وكسر طوق الحصار الأجنبي والعربي الحالي باختراق سياسي حقيقي من خلال وقف نزيف الدم وتحقيق السلام في السودان ورفع أعباء الصرف الكبير والمرهق جداً على حروب آن لها أن تتوقف.. وإيقاف الحرب ميسور جداً إذا كان ذلك قناعة حقيقية لصناع القرار ممن بيدهم القلم والبندقية ويقررون في مصائرنا بعد الله في الأرض.. فالحرب هي من جلب لبلادنا الشقاء والعنت والضيق الاقتصادي وتهدد الحرب وحدها ما تبقى من السودان و(تشحن) صدور أبناء الوطن بالأحقاد والضغائن والإحن.. وأي ثمن تدفعه الحكومة من أجل السلام والأمن أقل كلفة من آثار الحرب المهلكة.. وقد يقول قائل إنَّ تحقيق السلام بيد الحركات المتمردة ومن يقف خلفها من الدول والداعمين.. نعم كل ذلك صحيح لكن الصحيح أيضاً أنَّ الخرطوم بيدها تحقيق السلام اليوم قبل الغد إن هي اتخذت من التدابير السياسية ما يفتح أبواب التسويات والتي لا يمكن الوصول إليها بغير وسطاء من الغرب والأفارقة، فالعرب تابعون لمن هم يحمونهم من شرور أنفسهم وتهديدات القوى الإقليمية الشعبية وثورات شعوبهم الداخلية وإذا تحسنت علاقات السودان بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا فإنها تلقائياً تتحسن مع الدول العربية التي تحاصرنا اليوم وتسعى لقطع عنق السودان.. والغرب لا يقف مع حاملي السلاح إلا بقدر تحقيق مصالح مؤجلة ومنتظرة، وقد وقف من قبل من الجنوبيين وحصد الآن ثمرات فشل دولة الجنوب.. ولا يملك الرغبة في إعادة تجريب المجرب.
لكن هل لدى قيادات الحكومة والمتنفذين في مفاصلها رغبة في علاج أزمات البلاد الحقيقية أم التعامي عن الحقائق والهروب أمام المشكلة واللجوء للمسكنات التي لا تجدي مع ما نعيشه الآن من أزمات؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية