القرن السوداني
إن الانفتاح السياسي على أفريقيا مهم في هذه المرحلة، وقد تبدلت الظروف والصورة القديمة عن القارة السمراء فهي لم تعد قارة منكسرة، فالشرفاء والحكماء لهم صوت وقول وموقف. واعتقد أن المواقف الأفريقية من قضايا السودان على المستوى العام للاتحاد الأفريقي أو الحكومات في حال التقسيمات الأدنى مواقف إيجابية ويعول عليها، وشهدنا لهم في مواطن عديدة بالصدق والوفاء وعلى رأس هؤلاء الراحل “مليس زيناوي” رئيس وزراء إثيوبيا– نظمت بالأمس ذكراه السنوية-الذي غيبه الموت ولكن لم يغب أثره وبصمته خاصة على صعيد العلاقات السودانية الإثيوبية، حيث كان الرجل الممسك بدفة التوجه نحو السودان لجهة أن التقارب مع الخرطوم مفيد لكلا مصالح الطرفين، ولصالح المنطقة بالعموم.
مصالح رأس الرمح فيها الجانب الاقتصادي والذي بالضرورة يجر إلى حقول تعاون أخرى لذا فقد بادرت “أديس أبابا” والخرطوم بتحرك ومبادرة مشتركة نحو التجاوز بالعلاقات حالة الاضطراب إلى اجتماعات مشتركة ومباشرة خاصة شهدتها الخرطوم نهاية ديسمبر 2001؛ أسفرت عن الاتفاق على العديد من النقاط والبرامج الكبيرة والمشروعات. وكان تلك بداية رد العلاقات بين الحكومتين إلى مسارها الطبيعي، ولأول مرة منذ ترسيم حدود السودان عام 1956، جرى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، إذ كانت الحدود الشرقية والشرقية الجنوبية للسودان مثار نزاع وتوت.
حددت قنصليتين لدعم التعاون التجاري، خاصة أن هناك اتفاقاً تم توقيعه قضى بقيام السودان بتصدير البنزين، وكميات غير محددة من الغاز والكيروسين إلى إثيوبيا بداية من نوفمبر 2001، ولإزالة أي عقبات أمام هذا المشروع أقيم وأنشئ الطريق الحيوي الرابط بين إثيوبيا والقضارف، طريق القضارف دوكة القلابات والذي امتد بعدها إلى العمق الإثيوبي عبر (قندر) وغيرها من حواضر غرب إثيوبيا .
انتظام مسيرة العلاقات بهذا القدر من التعاون والتقارب أفرز استقراراً أمنياً ملحوظاً وواضحاً يمكن قراءته بالنظر لمضابط الأحوال الأمنية على طول الحدود المشتركة مع الجارة المحترمة. وقياساً على حالة التكالب والاستقطاب لاتخاذ مواقف مضادة للخرطوم فقد كان يمكن لأديس أبابا وبدعوة صغيرة ومجرد تلميح أن تجعل الحدود في الشق التابع لها نقاط انطلاق لعشرات الفصائل السودانية المتمردة والتي لن تجد من تلك النقاط مواقع يمكن أن تجعل العمق السوداني المؤثر في مرمى نيرانها .
الأمانة تقتضي الاعتراف بأن الإثيوبيين كانوا أوفياء لحد الصرامة لتعهداتهم ببناء علاقات خالية من (الحفر) والغدر واللعب بالثلاث ورقات، وهذه شهادة يجب أن تكون حاضرة أمام أي قول يستهدف تعكير العلاقة بين بلدين جارين سلامة أولهما من مصلحة الثاني بلا تردد أو حسابات معقدة.
إن التواصل الإيجابي مع دول مثل مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وإرتريا وتشاد وكامل النطاق الإقليمي المتاخم لحدودنا مهم، ذلك لوجود قواسم الثقافة واللغة والتداخل القبلي وتشابه فصول التاريخ وأنسجة الجغرافية ووفقاً لشرعيات المصالح المتبادلة، وليت الخرطوم تنتبه إلى أنها بلد قد يكون (حلال) العقد بين كل دول الإقليم.