مطل العدالة
حذر نائب رئيس الجمهورية ورئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني “حسبو محمد عبد الرحمن” من سقوط الدولة بدعوة مظلوم واحد ومن استشراء الظلم وسط المجتمع، باعتبار أن دعوة المظلوم لا حجاب بينها وبين السماء، موجهاً في الوقت ذاته وزارة العدل بتسهيل شؤون التقاضي للمظاليم المعدمين بالدفع لمحاميهم بالنيابة عنهم فضلاً التوسع في فتح النيابات لمدة (24) ساعة. وقال (لا نريد أن يصبح القانون سلعة تباع وتشترى). وقال: (يمكن أن تسقط دولة بدعوة مظلوم)، ولعمري فقد مس نائب رئيس الجمهورية وتراً حساساً.
إن أنواع الظلم قد تكون عديدة ولكن حذاري من الظلم الذي تكون السلطة والحكومة طرفاً فيه، وإني لأعجب لإشكالات ظلت عالقة منذ سنوات مثل قضية متقاعدي البنوك الحكومية، والذين تنقلوا بين مؤسسات إقامة القانون ودواوين العدالة وصفحات الصحف، ثم رفعوا للافتات في الطرقات في مسألة لا أدري ما الإشكال فيها، فطالما أن أمر قضاء وحكم فليكن ولا داع لهذا التماطل، وكذلك قضية المرحومة “عوضية عجبنا” التي قتلت أثناء مشادة وعراك بين أفراد أسرتها ومجموعة من الشرطة بمنطقة الديوم بالخرطوم جنوب منذ سنوات، أيضاً وتمضي السنون وإلى الآن تنعقد المحاكمات وتنفض ولم يبرأ المتهمون أو تنصف الضحية التي مضت إلى ربها !!
وقع في ورع الناس الآن في قضية قتيلة الديم أن المماطلة و(الجرجرة ) مردها أن المتهمين من سلك الشرطة، لأنه وإن كان الأمر العكس، أي إن كان الجناة (مدنيين) والمدعية هي الشرطة أي الحكومة، فإن الإجراء سيكون ناجزاً وسريعاً، مثل قضية قتل أحد المواطنين لضابط شرطة بمنطقة الجريف، إذ تسارعت الإجراءات في أسابيع معلومة رفعت الأوراق وانعقدت المحاكمات، إنه مطل العدالة الضار والمضر والذي يرسب نقاطاً سوداء في نفوس الباحثين عن العدالة.
ومثل هذا كثير، بعضه نراه على الطرقات من المحليات والسلطات في المقامات الدنيا، وبعضه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مواطن لمواطن، وإشكالات متراكمة في قضايا الأراضي، والتعليم، وسلع مضروبة تباع، وأمراض تغلف لعامة المواطنين، وكلها أنواع ظلم تتحمل الحكومة في النهاية مسؤوليته العامة، لغياب الرقابة والمتابعة، ولأن كثيراً من المسؤولين صاروا قليلي الاحتكاك بالناس، وقل عندهم مسلك المتابعة الميدانية لقراراتهم وتوجيهاتهم، ولهذا كثر الظلم وتعددت صنوفه مما يجعل قول النائب هذا وارداً، لأن الظلم يرفضه الله وحذر منه في الآيات والصحاح.
ليت المسؤولين بالدولة في كل المؤسسات تلمسوا مباشرة الإشكالات والعقد في كثير من الأمر، وليتهم كانوا مباشرين وناجزين منجزين، فمع اتساع الظل الإداري للجهاز التنفيذي وتعدد أذرعه بين المركز والولايات نشأت كثير من الجزر واستطالت العديد من الجدران، وارتفعت حتى حجبت الشمس والضياء، وما أفظع أن يتحد الظلم والظلام على العالمين.