مطربات غادرن ملاعب الساحة الغنائية مبكراً
المطربات السودانيات استطعن أن يفرضن وجودهن في ساحة الغناء منذ أمد بعيد جنباً إلى جنب مع المطربين، حيث ظهرت العديد من الأصوات النسائية اللائي قدمن تجارب غنائية متفردة، خلال فترات زمنية مختلفة حتى صارت لهن بصماتهن الواضحة على خارطة الغناء السوداني، ابتداء من عصر الراحلات “عائشة الفلاتية” و”منى الخير” و”فاطمة الحاج” مروراً بجيل “البلابل” و”سمية حسن” و”حنان النيل” و”آمال النور” و”سميرة دنيا” و”أسرار بابكر” و”نانسي عجاج”، والكثير من هذه الأصوات النسائية أكملن مسيرتهن الفنية ومنهن من لم يكملن المشوار، وبالتأكيد لأية واحدة منهن ظروفها الخاصة بها، فمنهن من اعتزلن الغناء لأسباب خاصة لم يكشفن عنها، وبعضهن خطفهن الزواج وتفرغن للحياة العائلية، وهناك من أبعدتهن دارستهن الأكاديمية عن طريق الفن، وبعضهن لم يستطعن الصبر على الصعوبات والعقبات التي واجهنها في بداية المشوار، ولذلك فضلن مغادرة الساحة بهدوء شديد.
ونحن في هذه المساحة بصدد الحديث عن ظاهرة غياب واختفاء الأصوات النسائية وسنتناول تجارب متميزة ظهرت في الساحة وأحدثن ضجة بأصواتهن المبدعة، ثم بعد ذلك وبصورة مفاجئة اختفين من الساحة وغبن عن الأضواء، ولكن رغم هذا الغياب ما يزال الجمهور يتذكرهن حتى هذه اللحظة من بينهن على سبيل المثال المطربة “حنان النيل”، “عابدة الشيخ”، “ملاك الأمين”، “أسرار بابكر”، “نبوية الملاك”، “سارة النور” و”مي عمر” وغيرهن.
عودة “البلابل” ظاهرة تستحق الدراسة
ومن المطربات اللائي اعتزلن الساحة الغنائية المطربة “عافية حسن” التي أبعدها الزواج عن ساحة الطرب رغم نجاحها الكبير كمطربة، حيث برزت في عدة أغنيات خاصة منها (يا حنين) و(سيطرت عليّ) كلمات “إسحاق الحلنقي” وألحان الأستاذ “أحمد المك”، كما نجحت في ترديد أغنيات كبيرة لمطرين كبار منها على سبيل المثال أغنية “البلابل” (عشة صغيرة). وعن تجربة “عافية” تحدث لنا الموسيقار “بشير عباس” وقال إن “عافية حسن” مطربة متميزة استطاعت أن تثبت وجودها وتلفت إليها الأسماع بأدائها الغنائي المميز، وأضاف بأن أداءها للأغنية لا يقتصر على الأداء التقليدي، دائماً ما تحاول إضفاء لمستها الخاصة، وهذا ما جعلني انتبه لصوتها عندما قامت بأداء (عشة صغيرة) بأسلوبها الخاص والمدهش في الأداء، وفي خاتمة حديثه قال الأستاذ “بشير عباس” غياب صوت نسائي بقدرات “العافية حسن” اعتبره خسارة للفن. وعن عودة البلابل (هادية وحياة وآمال) للساحة بعد غياب استمر لأكثر من ثلاثين عاماً قال “بشير”: عودة “البلابل” وبقوة أكبر وتوهج أكثر من الذي ظهرن به في بدايتهن الأولى، حقاً هذه العودة تستحق أن نخضعها للدراسة كواحدة من الظواهر الفنية.
“ملاك الأمين” غادرت مبكراً
وفي ذات السياق تحدث لنا الموسيقار وخبير الأصوات “محمد عجاج” الأستاذ بـ(كلية الدراما والموسيقى) قائلاً:
قصر عمر الأصوات النسائية وعدم استمرارهن في الساحة وعدم إكمالهن لمشوارهن أعزيه إلى العادات والتقاليد التي تحكم مسار الأسرة السودانية، ثم أشار إلى أن معظم الأصوات النسائية الجميلة التي ظهرت في الآونة الأخيرة لم تعمر كثيراً في الساحة الغنائية لأسباب عديدة أبرزها الزواج، والقليل منهن توقفن أو اختفين بسبب ظروف اجتماعية أخرى. وعن الأصوات النسائية التي لفتت الأنظار وغابت قال الأستاذ “عجاج”: الساحة الغنائية فقدت العديد من الأصوات النسائية، وتحسر على غياب تجارب غنائية مثل غياب “ملاك الأمين” التي غادرت الساحة مبكراً بسبب الزواج، وكذلك الفنانة “أسرار بابكر” وسبقتهن في الاعتزال الفنانة القديرة “حنان النيل”.
تجربة ثنائية قصيرة
الفنان الملحن القدير “السني الضوي” يرى أن ظهور واختفاء الأصوات النسائية كظاهرة ليست قاصرة على السودان فقط، وأشار إلى أن هناك الكثير من المطربات الموهوبات في عديد من الدول العربية ظهرن واختفين لظروف مختلفة، وقال إنه جد حزين لغياب عدد من الأصوات النسائية الشابة التي أثبتت وجودها في ساحة الغناء مثل “أسرار بابكر” والتي أعدها من أجمل الأصوات النسائية التي تجيد الغناء بإحساس يلامس الوجدان، وقال إنه أيضاً حزين لقصر التجربة الثنائية للمطربات “إيمان وأماني خيري” (تومات خيري).
القناعة والإيمان دافعان للاستمرار
أما الصحفي والناقد الفني الأستاذ “طارق شريف” رئيس تحرير (مجلة حواس) كان له رأي مغاير عن ظاهرة اختفاء الأصوات النسائية عن ساحة الغناء وعدم إكمالهن لمشوارهن الفني، حيث قال من الأشياء الأساسية التي تضمن لأي فنان الاستمرار في الطريق الإبداعي الذي اختاره أولاً الاقتناع التام بموهبته وتجربته والإيمان باختياره للسير في طريقه الفني، وأضاف “طارق” بأن القناعة والإيمان معاً يعطيان الفنان الدافع القوي للاستمرار في مشواره الفني، ولذلك أرى أن أي مطرب أو أية مطربة لم تكمل مشوارها لأي سبب من الأسباب، هي في الأصل لم تكن لديها قناعة أو لم يكن إيمانها قوي باختيارها، وفي اعتقادي أن هذا هو الذي جعل كل أو غالبية المطربات اللائي غادرن الساحة أن يستسلمن للظروف أو الأسباب التي حالت دون استمرارهن في مشوارهن الفني.