الجياد..!!
جميل والله لو اتجهت الحكومة إلى إلزام الوزراء والمؤسسات وغير قليل من عمالها باقتناء السيارات (الجياد)، فبخلاف إيجابيات توفير النقد الحكومي في شراء المركبات من كل الأصناف والموديلات فإنها تعكس شكلاً منضبطاً للدولة، وتعزز صورة إيجابية عن مفهوم التواضع، وتجعل الشخص الممثل للسلطة أقرب إلى حالة عوام المواطنين، وفي دول كثيرة رأينا أن للحكومة صنفاً محدداً من أنواع السيارات التي يفضل عادة أن تكون تصنيعاً محلياً أو تجميعاً، بل أكثر من ذلك، فكلنا نرى التزام بعض الحكومات بمظهر معين من نوع القماش واللبس الرسمي للوزراء بما يحقق الأناقة المناسبة وحجم المنصب، وفي الوقت ذاته عدم التفحش في سعر اللبس.
دول مثل أثيوبيا وأوغندا ورواندا وهي من النطاق الأفريقي تلزم شاغلي بعض المواقع والمناصب بنوع معين من السيارات المحلية التجميع، ولا يتم تجاوز ذلك بأي مستوى وقدر ولا خروج عن هذا النظام قيد بوصة، وهي تعليمات مرعية ومتفق عليها ولا يتعرض لها أحد أو جهة بالتحايل.. وأما النواب في تلك البلدان، فبعضهم يأتي إلى البرلمان بالمركبات العامة التي تنقل المواطنين بين منطقة وأخرى.
رئيس الوزراء اليمني “محمد سالم باسندوة” عرف بتواضعه، إذ ينتقل إلى رئاسة الوزارة بعربة عادية، وقد أثار هذا الأمر ضجة إعلامية كبيرة قياساً على ظروف اليمن المعروفة، كما عرف عن الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” تواضعه في مظهره إذ لا يزال حتى اليوم متمسكاً بلبس (الشدة) والبنطال الجنيز والقميص ذي الأكمام القصيرة في جولاته داخل المدن الإريترية ومقابلاته العادية، وإن كان يعود للبس (الفول سوت) حال سفره للخارج، أو مشاركته في مؤتمر ما، أو استقباله لضيف كبير.
معظم الدول تمنح الوزراء مركبات لائقة، صحيح، لكن هذا كما أسلفت يرتبط برمزية الصناعة المحلية إن وجدت، أو بما يحقق الغرض من التخصيص، ويمكن في السودان ولميزات المنصب الدستوري توفير مركبات (جياد) فخمة مظللة بالقانون تكفي لكثير من الوزراء، وهو الأمر الذي يمكن أن يتنزل لاحقاً لرؤساء الوحدات الحكومية.. هذا بالطبع لا يسقط التحوطات الأخرى اللازمة لحماية هؤلاء المسؤولين وتأمين سيرهم، ولن يتعرض لهم في غالب الأحوال أحد، وقد شاهد السودانيون الرئيس “البشير” شخصيا في أكثر من مرة برفقة بعض الوزراء دون حراسة في مركبات غير مظللة يؤدون واجباً اجتماعياً أو يصلون رحماً، وكانت تلك اللحظات واحدة من أعظم مدرات النقاط لصالح “البشير” نفسه كرئيس متواضع و(زول ود بلد).
قطعاً من حق، بل ومن واجب كل وزير ودستوري أن يظهر بالمظهر اللائق لأنه يمثل الدولة ويرمز إليها، ولياقة المنظر وهيبة السلطة يمكن أن تكتمل بذات المعاني والمقاصد دون إسراف، ونحمد الله أن الوزارة في السودان لا تفصل المستوزر عن وسطه ومجتمعه لطبيعة المجتمع السوداني الذي لا يعترف أصلاً بقيود البرتوكولات كانت لك أو عليك، ومن ثم فإن أي موجهات داعمة لتلك المفاهيم إنما تؤسس لقاعدة سامية في مفهوم خدمة الحكومة للشعب والمواطنين.