مصير "الكاملين"
} جاء في الأخبار أن قيادات من محلية الكاملين بولاية الجزيرة، طالبت بضم المحلية لولاية الخرطوم ونزعها من ود مدني. والخبر لم يذكر أسماء القيادات المطالبة بتقرير مصير لمحلية تعتبر (الأغنى) في ولاية الجزيرة، وأكبر المستفيدين من الموقع الذي تحظى به قريباً من الخرطوم، بل كبريات الشركات الصناعية والزراعية نشأت في أرض الكاملين.. والذين رفضوا الإفصاح عن وجوههم جهراً من قيادات محلية الكاملين، غاضبون وعاتبون على حكومة ولاية الجزيرة التي إذا كتب عنها حرف واحد في صحيفة، استنفرت الولاية شرطتها ووكلاء نياباتها وصرفت جهدها في ملاحقة الصحافيين و(جرجرتهم) إلى ود مدني، عقاباً لهم لتطاولهم على دولة (القرامطة) في أرض المحنة.
} الجزيرة تعتبر ولاية لكل السودانيين (أدروبات) وجنجويد و(تربورا) و(أشقردار) وبقارة وجعليين وشايقية ورباطاب وكبابيش، مع الاحتفاظ لأهلها الحقيقيين بأفضلية التسامح والتثاقف والتلاقح.. لذا غريب أن تطالب بالتبعية للخرطوم بعض (القيادات).. وطبعاً وصف قيادات (محتكر) لمنسوبي الحزب الحاكم فقط وهم لوحدهم من يقرر في مصير المحليات والولايات.
} وحجة القيادات التي تحدثت نيابة عن سكان الكاملين أن قسمة الموارد في ولاية الجزيرة غير عادلة، وأن مكتباً للأراضي أفتتح في الخرطوم بدلاً من ود مدني لتوزيع أراضي المحلية لسكان الخرطوم من المقتدرين حالياً. والمطالبة بإعادة توزيع الموارد حتى داخل الولاية الواحدة مطلب عادل جداً ويمكن مناقشته في المجلس التشريعي، لكن أن يبلغ اليأس والإحباط ببعض القيادات لتقرير مصير محلية بكل تراثها وثقافتها وإرثها وأرضها وتذويبها في الخرطوم (كرش الفيل)، ذلك أمر لا يمكن أن يقرر فيه بضعة قيادات (غاضبون) على حكومة الوالي “الزبير بشير طه” الذي ربما يذهب اليوم أو غداً.
} وأعرف شخصياً أن “الزبير” لن يترشح في الانتخابات القادمة وهو رجل نظيف جداً وصادق في انتمائه الفكري والثقافي، لكنه أخفق في إدارة ولاية كبيرة جداً كالجزيرة، حتى طالب بعض من قادة محلية الكاملين بتقرير مصيرها. ولم ينسَ هؤلاء المطالبون (بردع) معتمد المحلية براجمات حروف في الصحافة، وتم وصف المعتمد بالفاشل.. فهل فشل معتمد يبرر انسلاخ محلية من ولايتها وانضمامها لولاية ثانية؟!
} لو تم فتح باب الانسلاخات لطالبت قيادات من محلية جبره بشمال كردفان بالانضمام إلى ولاية الخرطوم، التي تبدو أكثر حاجة للأراضي الزراعية الخصبة. محلية جبره الشيخ تبدأ من غرب سوق ليبيا. وربما طالبت قيادات من محلية المتمة بضمها لمحلية كرري. وتظاهر سكان قرى ود الكريل وكل شمال القطينة مطالبين بالانضمام لولاية الخرطوم، التي تبدو جاذبة جداً لمن هم حولها!!
} ولكن تقرير مصير المحليات لا تقرره القيادات الغاضبة على حكومات ولاياتها لوحدهم. وليت الحوار الذي بدأ بين القوى السياسية الحاكمة والمعارضة تطرق لمسألة الحكم الحالي، حيث النظام الحالي فشل في إحداث استقرار سياسي وتنمية اقتصادية وتلبية لأشواق واحتياجات المواطنين. وأصبح الحكم الفدرالي عبئاً ثقيلاً على المواطنين وسلب المركز كل فضيلة للحكم الفدرالي وجعله مسخاً مشوهاً.. في ظاهره حكم فدرالي وباطنه مركزية قابضة، جعلت والياً في سنار لا يستطيع شراء عربة كورية قبل الرجوع (للسادة) في الخرطوم ليصدقوا له بالمال. فهل تقرير مصير الكاملين بداية لثورة جديدة تطيح بالنظام الفدرالي المشوه!! وتستبدله بحكم إقليمي كالذي أرسى قواعده حارسنا وفارسنا “جعفر محمد نميري”.