أخبار

يا ورد مين يشتريك؟!

لم يكن إجماع البشر على أهمية (الورد) وجعله رمزاً للعاطفة وأداة للتواصل ولغة للحوار مسألة (اعتباطية) أو (ارتجالية)، فالورد بما هو عليه من صورة جمالية زكية العطر ومتعددة الأشكال ومتنوعة الألوان يحمل الكثير من الدلالات العميقة والبليغة التي تبوح عن نفسها بجلاء في مواقف إنسانية مختلفة ارتبطت في الذاكرة الإنسانية بمعاني المحبة والإلفة والحميمية، حيث يكفي إهداء (وردة) للتعبير عن هذه المشاعر النبيلة دون الإفصاح عنها تحدثاً أو كتابة، ويكفي معاودة مريض بباقة ورد لبعث روح الأمل في نفسه ومعاونته في المسارعة على الشفاء، وفي الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة أبسط وأبلغ إهداء بين الناس هو الورد، وبالورد تزين الحدائق والبيوت والشوارع، ومنه تصنع العطور وتنتج الأدوية وبعضه تستخرج منه المشروبات ويدخل في طهي الأطعمة، وللورد لغة سرية ساحرة يعرفها العشاق ويستلهمها الشعراء والأدباء وينسجون على منوالها أروع القصائد والقصص.
وعلى ذكر الورد لابد من استدعاء شاعر قديم حمل اسمه مفردة الورد هو الشاعر الجاهلي المثير للجدل (عروة بن الورد) الذي يؤرخون له ضمن ما يسمونهم بالشعراء (الصعاليك)، وبعيداً عن علاقة اسمه اللفظية بالورد فقد كانت في سيرة حياته ما للورد من إيثار وإسعاد للآخرين، فقد كان (عروة بن الورد) يرعى الضعيف ويأوي المشرد ويطعم الفقير رغم ماعاشه من حرمان وأحزان.
و(عروة بن الورد) ليس وحده الذي حمل اسمه المفردة الجميلة فهناك أمكنة ومؤلفات ومسلسلات وأغنيات كثيرة تحمل اسم الورد ومن بينها أغنية الموسيقار محمد عبد الوهاب (يا ورد مين يشتريك) التي تحولت إلى عنوان مسلسل تم عرضه في العديد من الفضائيات الأمر الذي يثير في النفس شجون العودة لتأمل فلسفة الورد رغم أنه لم يحرك ساكن (النقد) للكتابة عنه ربما بسبب ضعف الخط (الرومانسي) الذي أوحى عنوان المسلسل بأنه سيكون أكثر ظهوراً في أحداثه بينما القصة سارت في اتجاهات أخرى كثيرة ومتفرعة نأت به عن المناخات الروحية والأجواء العاطفية .
ولأن (الورد) لا يمكن اختزاله في باقة فضائية واختصاره في مسلسل، فإن الحديث عن الورد ذو شجون ومن يطالع الروايات المعاصرة يجد فيها مكانة خاصة للورد . فهو الذي يحرك الشخوص والأحداث ويكتب البدايات والنهايات وغالباً ما يتصدر وصف الأمكنة والأزمنة والأشياء ومن ذلك المجموعة القصصية لـ(نجيب محفوظ) (صباح الورد) التي تفوح بعطر أخاذ في الفكرة والبناء والسرد وترمز بشفافية وعمق للحرية والعدالة .
ورغم كل هذا الاحتفاء الأزلي بالورد ظللنا نتابع بامتعاض في فترات انقضت إعلاناً (فضائياً) برؤية أخرى لا تحتفي بالورد بل تقلل من شأنه، حيث يصور (زوجاً) يريد إنهاء الخلاف بينه وبين زوجته فيهديها (باقة ورد) لكنها ترفضها، فيرسل لها هدية أخرى هي موضوع الإعلان ذاته فتقبلها بسعادة وفرح وتعود الحياة بينهما إلى طبيعتها، وهذه مفارقة كونية عجيبة تطرح العديد من علامات الاستفهام لو فهم ذلك على أنه إشارة إلى تراجع قيمة وأهمية (الورد) في الحياة، وأن إهداء (الورد) في هذا العالم المادي (المتعولم) لم يعد كافياً ومجدياً للتعبير عن حقيقة المشاعر وكسب ود الآخرين وتمتين العلائق معهم ، وإنما لابد من دفع ما هو نقدي ومادي حتى يرضون عنك ويقدرون أحاسيسك ومشاعرك!!
ومناسبة الحديث عن الورد هو احتفاؤنا بـ(عيد الأم) حيث لم أجد سوى الورد لأهديه لأمي أطال الله في عمرها ومتعها بموفور الصحة والعافية.. هي وردة أهديها لأمي (فاطمة الزهراء) التي علمتنا حب الورد!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية