أخبار

امرأة غامضة!!

لست ماهراً على النحو الذي يكفي لأن أقــرأ فنجان من أحب.. ولا أحد يمكن أن يضمن عودتي سالماً حين أبحر في ذكرياتي معها.. تلك الغامضة التي أربكت مخيلتي وتركتني وحــيداً في صحــرائي دون أن تدلني عــلى عنوانها أو تقــودني إلى نهـــاية الطري!.
هي امرأة تعشق تلغيز القلوب وتشفير النبض .. وتضع نظارة سوداء على عينيها الجميلتين كي لا يفضح كلامهما أحد .. أما حديثها النادر فقد اعتاد استلاف الصمت وممارسة البخل وتمرير كلمتها الشهيرة : (ما عارفة).. رغم أنها تعرف كل شيء.. تعرف أن (ماجد) يحبها ويسعى جاداً للارتباط بها!!.
قال لي آخر مرة رأيته فيها :
 سأذهب وأطرق باب بيتها .. سأتقدم لخطبتها والزواج منها .. حاولت أن لا أتعجل.. أن أفهمها أولاً .. لكنني فشلت.. هي غامضة.. لا أعرف إن كانت تحبني أم لا.. فهذا لم يعد يهمني.. أيضاً .. أنا أريد أن أتزوجها .
قلت له : تريد الزواج منها حتى لو لم تكن تحبك؟!.
أجابني : إنها لا تتحدث.. أحاول استنطاقها ولكنها ترفض.. أعلنت لها عن حبي.. فلاذت بالصمت .
قلت : ولماذا لا يكون دلالة هذا الصمت هو الرفض.
أجابني : وقد يعني الموافقة!!.
قلت : أنت تحبها ؟
أجابني : إلى حد الجنون!!.
قلت : تريدها زوجة إذن !!.
أجابني : طبعاً..!!.
قلت : دون أن تتأكد من حبها لك.!!.
أجابني : فشلت.. الحب سيأتي بعد الزواج.!!.
قلت : وإن لم يأتِ..؟!.
أجابني : سأكون متفائلاً.!!.
قلت : لا عليك.. لكن تذكر أن هناك من يقول ليس مهماً أن تجد من تحبه ولكن المهم جداً أن تجد من يحبك.
أجابني : حكايتي مختلفة.. فأنا أعرفها منذ عام كامل.. جمعنا العمل ثم افترقنا.. لكنها لم تبارح مخيلتي.. لقد أحببتها.. ألا تفهم..؟!.
قلت أفهم.. أفهم.!!.
><>
تركته في حيرته بعد أن أصابني بعدوى التفاؤل مثله.
فقد يأتي الحب بعد الزواج.. وقد تكون بالفعل تحبه لكنها تستحي مصارحته.. قد.. لكن لماذا لا يكون صمتها هو رفض دبلوماسي.. أو حتى انتظاراً لقرار لم يصدر بعد.. أو تأسيس طابور للأزواج ثم اختيار الأفضل؟! والاحتمال الأخير هو الأسوأ.. كم أخشى على هذا الصديق من صدمة ستأتي وفجيعة قد تقتل قلبه الرهيف. حاولت فك شفرات تلك المرأة الغامضة.. لكنني فشلت مثله. والمرة الوحيدة التي صادفتها وجلست معها لدقائق معدودات لم أفلح في قراءة وجهها.. فهي أشبه بقطعة منحوتة.. عالية الجمال.. لكنها أيضاً صاخبة في صمتها وغموضها وتكاد لا تفصح عن شيء أبداً.. كأنها ترتدي قناعاً.. أو ربما هي كذلك.. كان صديقي محقاً في حيرته.. وانزعاجه.. ولكن ما حيرني وأزعجني هو ما الذي أحبه في هذه الفتاة.. وكيف له أن ينجذب على هذا النحو المفرط تجاه وجه خالٍ تماماً من أي تعبير.. وأعين مدسوسة خلف نظارة سوداء.. ولسان في أشد حالات انطلاقه يقول : أهلاً.!! فقط
لم تسألني يومها عن أي شيء.. فهي تعمل في شركة تقدم الخدمات للجمهور.. ناولتها ورقة عليها نوع الخدمة التي أطلبها.. فانشغلت بالحاسوب الذي أمامها ليقطع هالة الصمت الذي خيم علينا صوت طابعة الحاسوب، ثم أخذت الورقة وناولتني لها. ومثلما بدأت كلامها معي بـ(أهلاً..(كانت نهاية كلامها معي أيضاً ب(أهلاً.. (وما بين الأهلين لا شيء على الإطلاق.!.
انصرفت وصورة صديقي تلح على ذاكرتي.. هل هو سعيد أم شقي.. أن يتزوج امرأة صامتة إلى حد الخرس والبكم.. أليس هذا أفضل بكثير من امرأة ثرثارة.. ألم يقل لي أحد الأصدقاء يوماً :
كل النساء ثرثارات.. ومن يجد واحدة غير ذلك فهو محظوظ.. لكن من يضمن أن تظل هكذا بعد الزواج.. ألم يكن معظمهن بهذا التحفظ والهدوء ثم انقلبن لاحقاً – كما يروي لي كثيرون – إلى النقيض تماماً.. هذا ليس موضوعنا.. فصورة صديقي مازالت تلح على ذاكرتي : هل يتزوجها بهذه الطريقة.. أن يطرق باب أهلها دون أن يتأكد من مدى حبها له؟! وما الغريب أيها الصديق.. ألم يتزوج آباؤنا وأجدادنا بهذه الطريقة.. الصمت (نعمة) لكن (الغموض) يا صديقي فهو ما أخشاه منها عليك!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية