الطريق المسدود
} نفض “ثابو أمبيكي” يده عن المفاوضات الماراثونية الجارية بين الوفد الحكومي ومتمردي (قطاع الشمال)، حينما قال بلهجة حزينة وحسرة واضحة: (لقد أهدرنا وقتاً منذ 2011م وحتى اليوم ولم نصل لأي تقدم في كافة المسارات. وعدنا لنقطة الصفر وأصبحنا أمام خيار وحيد هو العودة إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي ليقرر بشأن مفاوضات السلام، بعد أن سدت في طريقنا كل مسارب الحل). وبدا “أمبيكي” غاضباً لشعوره بالفشل الذريع في مهمة أهدر فيها كثيراً من الوقت والورق والأسفار والترحال، وبذلك دخلت القضية الآن نفقاً مظلماً تنتظر من القادة الأفارقة الاجتماع المنتظر لمجلس الأمن والسلم الأفريقي، والوصول لحل أو إحالة الملف برمته لمجلس الأمن الدولي ليتخذ القرارات بشأنها.
} ومنذ اليوم تبدأ مرحلة جديدة مرحلة السباق الدبلوماسي بين الأطراف ليكسب كل من الحكومة والحركة الشعبية أراضي في الساحة الأفريقية. وعلى عاتق “علي كرتي” ووزارته مهام كبيرة وجسام وصعبة في كيفية عبور الألغام التي أمامهم، وإبلاغ وشرح الأسباب التي أدت لتعثر المفاوضات وفشلها وكيفية تفادي السودان لأي عقوبات قد تطاله. بينما لا تبدو الحركة مكترثة كثيراً لما قد يطالها من عقوبات، لأنها لن تفقد شيئاً كما تعتقد. وبدا أن قضية السلام ستخرج شئنا أم أبينا من يد الأفارقة إلى غيرهم، وقد تبدى ذلك في الاجتماعات التي رصدناها في ردهات فندق (رديسون بلو) ظهر أمس (الأحد) بين وفد الحركة وعدد كبير من الدبلوماسيين ومندوبين من دول الاتحاد الأوربي.
} إن الجبهة الداخلية أصبحت أمام حقيقة واضحة، هي أن السلام قد أصبح بعيد المنال وتبددت كل فرصه، وما جرى في “أديس أبابا” هو الصفحة الأخيرة من ملف التفاوض والحل السلمي، وربما ظهر خيار أن تحارب الدولة بكل إمكانياتها وكل مكوناتها وكل فصائلها العسكرية والمدنية، وأن تعيد تحشيد قوات الدفاع الشعبي من كل ولايات السودان لتقاتل إلى حين استتباب الأمن في مسرح العمليات.. فقد انتهى زمن اللا حرب واللا سلم وأصبحنا أمام خيارات محدودة جداً. وقد كتب القتال على أهل السودان جميعهم بلا استثناء حتى تبلغ القضية مرحلة إضعاف الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وحملها على الواقعية في التفكير بأن قضية السودان لا يمكن حلها برؤية فصيل واحد، وأن البندقية لا يمكن أن تعلو على ما عداها من آليات سياسية وغيرها.
} إن مناخ الحرب بالضرورة يفرض منطقه السياسي والاجتماعي، ففي ظل الحرب وهي حالة استثناء لا يمكن المطالبة بالحريات والديمقراطية، فكلاهما مؤجلان إلى حين، لذلك حينما تعلو أصوات البنادق بالضرورة أن يتراجع المنطق والحوار، وإزاء ما يحدث الآن فإن الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في السابع والعشرين من يناير الماضي، بات محل شك بأنه سيصل أيضاً إلى طريق مسدود، حيث هنالك قوى سياسية عديدة تضع يدها على يد الحركات المسلحة وتنتظرها لتركب على ظهرها وتبلغ بها مراميها وأهدافها.
} لقد تمدد الأسى والحسرة لفشل جولة المفاوضات وساد الإحباط محل التفاؤل والأمل. وهكذا قدر السودان أن يمضي كل يوم سيراً على حافة الهاوية دون أن يسقط فيها حتى الآن.