مفاوضات أم سيرك؟ !
أحسست وأنا أتسقط أخبار المفاوضات المنتظرة بين الحكومة وقطاع الشمال أن المتمردين يدخلونها بطريقة أقرب لأسلوب ذلك الفنان الغر الذي اعتاد أن يدخل إلى مسارح المدينة وهو محمول على عرش يحمله أربعة شداد ! من باب الاستعراض والتباهي وقد ظهر جلياً أن مفاوضات أديس أبابا المرتقبة ستكون مهرجانا يعيد الأضواء لبعض الذين أفلت منهم من قيادات القطاع الذين يتوجب عليهم شكر الوساطة على إتاحة الفرصة !
تطايرت الدعوات ورقاعها، وحشد العشرات ممن يوصفون بالديمقراطيين، وقوى المجتمع المدني والحكماء حسب تنصيف الحركة الشعبية ليكونوا حاضرين في المفاوضات والتي سيظن معها العالم والوساطة الأفريقية وجمهور النظارة أنها عمل متسع الاختصاصات وشامل المحاور رغم أنه وبمرجعيات كثيرة فإن الجولة معنية ومختصة بقضايا المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق) ولا سبيل بين هذا لأي موضوعات أخرى خارج هذا النطاق، بل إن حتى مسمى (الجبهة الثورية) غير معترف به في الأوراق والأجندة لجهة أن (الدوحة) هي المنبر التفاوضي لحركات دارفور.
وقد يقول قائل إن ما يحدث اجتهاد طيب من “ياسر عرمان”، وقد يكون ذلك ممكناً لو لم يتم بهذه الطريقة الاستعراضية التي لا تخرج عن احتمالين الأول أن “عرمان” يريد إسقاط زعم الحكومة بأن القضية تعني (منطقتين) حينما يشعل بالأنشطة والبرامج الجانبية شواغل الوساطة والمجتمع الدولي والإقليمي المراقب للقضية بهموم سودانية أخرى عبر أشخاص يقدمهم في أثواب الواعظين من ممثلي جماعات اليسار وفصائل المعارضة ليقول حجيته بأن قضية القطاع ضد الحكومة أوسع من نطاق إقليمين وإنما هي موقف عام وجماعي يمثله طيف عريض من السودانيين أمامكم ! وأما الثاني أنه – أي عرمان – إنما يدشن مرحلة جديدة يريد بها أن يسد فراغ منتظر بالمعارضة بعد خروج المؤتمر الشعبي وحزب الأمة المتوقع بحسب اتجاهات التطورات الأخيرة عقب وثائق الإصلاح وخطاب “البشير”.
المشكلة في هذا المنهج الاستعراضي أن أصل القضية موضوع النقاش سيضيع وسيجد الجميع أنفسهم عالقون في تعليقات جانبية وجدل حول أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟ ولن ينجز المتمردون شيئاً في قضية التفاوض الأصلية حول جنوب كردفان والنيل الأزرق وأتوقع وفقا لهذا أن يبتدر المتمردون النقاش بدلق مياه كثيرة على أوحال الوضع الإنساني وما يسمونه الانتهاكات وحتى إن وقعوا وقفاً لإطلاق النار فسيكون ذلك من باب أنهم أصلاً يعانون في الآونة الأخيرة على صعيد الأوضاع الميدانية عقب الحملة الناجحة والمتصلة للقوات المسلحة والقوات المساندة لها مقروء هذا مع تطورات الوضع بالجنوب وتورط بعض أذرع الجبهة الثورية نفسها وقطاع الشمال في القتال الدائر فضلاً عن أن حالة الانقسام وربما المفاصلة السياسية التي وقعت بجوبا ستؤثر حتماً في تقديرات كثيرة وتحدث تغييرات في مراكز اللاعبين الشماليين (السودانيين).
بتقديرات كثيرة فإن أفضل ما يمكن للمتمردين إنجازه في هذه الجولة استغلالها لتكون منبراً سياسياً وإعلامياً ومهرجاناً وربما (سيرك) ! وسنقرأ غداً هراء قصص أن “عرمان” رفض مصافحة علان وأن فتلكان تلقى عرضاً- (رفضه)- للوزارة في القصر !