التباسات في الذاكرة!
معرفة
حينما أطلق “كونفوشيوس” مقولته الشهيرة: “الحكمة هي معرفة الإنسان” كان يدرك تماماً أن هذه المعرفة ليست شيئاً سهلاً إن لم تكن المستحيل بعينه.. فالإنسان هو أكبر لغز في هذا الوجود.. وكلما ازدادت معرفتنا بالإنسان ازداد جهلنا به.. وربما كان في نظريات الفلاسفة أنفسهم هم الذين زادوا الإنسان تعقيداً على تعقيده حينما قتلوه بحثاً دون أن تتلاقى و جهات نظرهم أو حتى تتقارب.
تقمص
من يتقمص من؟! الإنسان أم الحياة؟! ثمة خلاف هنا لابد أن ينجلي.. غير أن من السذاجة بمكان أن يتقمص شخص ما ذاته.. فالذات التي نراها جزءاً لا يتجزأ من الإنسان ليست في حالة تصالح دائم مع صاحبها.. وقد يكون نموذج “الانفلات من الذات” هو النموذج الأمثل للتوحد مع الذات وليس العكس.. خاصة حينما نزعم أن هذه الثنائية سببها بالدرجة الأولى عدم القدرة على تقمص فكرة واحدة.. انه الرفض لارتداء الأقنعة أمام الآخرين بحيث نبدو في النهاية مقنعين حتى أمام أنفسنا.
توحد
مع من نتوحد؟! مع أنفسنا؟! أم مع الآخر؟! وما مدى حجم هذا التوحد الذي نتوق إليه؟! هل من ثمة علاقة بين الاستسلام والتوحد؟! ألا نخشى أن يكون التوحد مع الذات هو إخضاع للصوت الآخر المختلف عنها؟! ألا نخشى أن يكون التوحد مع الآخر انهزاماً كلياً أمام سطوته؟! ثمة فجوة هنا قد تبدو صغيرة أو كبيرة فهذا لا يهم كثيراً.. المهم أن لا يكون التوق إلى التوحد معضلة فكرية مرهقة!! فالتوحد حينما يكون قسرياً يقتل كل الأشياء الجميلة في ذواتنا!
توهج
“غاندي” هذا الرجل النبيل قال يوماً.. لا أريد أن أؤذي أحداً.. أريد أن أصنع الخير دائماً.. انتهت مقولة غاندي ولكنها بدأت في نبش الذاكرة واجترار محتوياتها.. فحينما يرتبط الخير بعدم الإيذاء لأحد فهذا يعني أن من يؤذي أحد إنما هو “شرير” لأن الشر هو عكس الخير.. فهل يحتمل الإنسان فكرة كونه شريراً لو أذى “نفسه” مثلاً وليس شخصاً آخر؟! المسألة محسومة على أية حال.. وللذات أن تتوهج الآن أكثر وتنأى عن الإيذاء ليس للآخر كما قال غاندي فحسب وإنما للذات نفسها أيضاً.. لأن الشر اصطلاح يدق آخر مسمار على نعش الإنسانية!
همس
اجتراح الصمت لا يكون بالكلام فقط وإنما بالصمت أيضاً!! وقد جلس الكلام يوماً صامتاً فاندهش من هم حوله وسألوه عن سبب صمته الذي هو ليس من سماته على الإطلاق فأجابهم بأنه تعب من الكلام فاستسلم للصمت!
لكن ماذا يفعل الصمت لو تعب من الصمت؟!
هل يتحول إلى الكلام مثلاً؟! أم يواصل سكوته النبيل؟!
يبدو أن الحل الوسط هو “الهمس” فالهمس وحده هو الذي يمكن أن يفلت إليه الصمت والكلام معاً.. إذ يكفي أحياناً أن يكون “الهمس” البديل المناسب..فالأجمل أن لا يسمعك أحد وإنما أن تسمع نفسك.. فقط!