د. "بشري" في غير موضعه!!
} للتعديلات الحكومية الأخيرة وجه سالب ووجوه موجبة، ونقاط ضعف وقوة.. رجال ذهبوا لكراسي المعاش قهراً وآخرون أبعدتهم صراعات مراكز القوى.. وانصرفت جُل التحليلات نحو الحكومة التنفيذية، وصُرف النظر عن البرلمان الذي حدثت فيه متغيرات كبيرة بترجل الرجل الزاهد النظيف “أحمد إبراهيم الطاهر” وصعود نجم شاب إلى مقعد البرلمان، هو “الفاتح عز الدين” الذي أطلق رصاصة الرحمة على حقبة “الطاهر” التي انطوت حينما دعا لتصحيح مسار البرلمان جهراً وعلناً.. وتلك أكبر إدانة للمرحلة المنقضية.. ولكن البرلمان حمل لمقعد نائب الرئيس د. “عيسى بشري محمد” الذي مثل خروجه من الجهاز التنفيذي مفاجأة لا تقل عن خروج “كمال عبد اللطيف”.. وإذا كان “عبد اللطيف” قد أخرجته (الغيرة) والصراعات، رغم أدائه المشرّف له ولحكومته، وصناعته من العدم إمبراطورية الذهب.. فإن خروج “عيسى بشري” من واجهة الجهاز التنفيذي كوزير فاعل جداً وكقيادي في المؤتمر الوطني ممن لهم ثقل جماهيري وسند اجتماعي وقدرة على العطاء.. كان بمثابة الصدمة لكثيرين.
} الدكتور “عيسى بشري” تم تسكينه في وظيفة هامشية بالجهاز التشريعي نائباً لرئيس البرلمان الذي يصغره سناً وخبرة، وكان منطقياً أن يرتقي “بشرى” على الأقل لمنصب رفيع في القصر، إن لم يبق في موقعه وزيراً اتحادياً.
} وحينما احتلت قوات دولة جنوب السودان منطقة هجليج، لم تجد الإنقاذ من كل قيادات المسيرية وكردفان من يحمل (جرابه) على ظهره ويقود أبناء عشيرته وعمومته من المجاهدين، مثلما خرج د. “عيسى” من وزارة التقانة والعلوم والاتصالات لساحات القتال، ممتطياً اللاندكروزر (الناتشر)، مرتدياً (لبس خمسة)، وأكثر من ألف وخمسمائة من الشباب المخلصين المقاتلين الأشاوس من المسيرية يتقدمون الصفوف على ظهور الدراجات البخارية (المواتر).. لتهرب قوات د. “مشار” ومليشيات النوير والجبهة الثورية، من زحف المسيرية، وتعود هجليج تعطي السودان الذهب الأسود.. فكيف يخرج أمثال د.”عيسى بشري” – على قلتهم في الحكومة – من الجهاز التنفيذي، ويتم وضعهم في مواقع هامشية في برلمان قال رئيسه الجديد إنه بحاجة لتصحيح مسار!! برلمان بواقعه الراهن وتشكيله ولوائحه لا ينتظر منه أن يقدم الكثير ويجعل من موقع نائب رئيسه شيئاً مذكوراً في تراتيب الدولة وفاعلية أجندتها، ومن ثم إحساس الذين انتخبوه وحملوه على أكتافهم وهناً على وهن، إن كان ثمة تقدير لدورهم وما يقومون به في سبيل وطنهم.
} ما كان د.”عيسى بشري” طامحاً في سلطة، ولا طائفياً يطوف من حوله الأتباع والمريدون، ولا شيخاً في خلوة يقبل يديه (الحيران)، ولكنه قائد سياسي ورجل دولة، أخذ على عاتقه منذ العام 1989 التبشير بالإنقاذ الفكرة والمشروع، في بيئة اجتماعية ولاؤها السياسي السابق لحزب الأمة وكيان الأنصار، ولكنها في حقبة الإنقاذ وحدها قدمت ثمانية عشر ألفاً من الشهداء، مهروا بدمائهم الطاهرة مشروع بقاء السودان على قيد الوجود.. لم يخرجوا حاملين السلاح من أجل مغنم أو مال، ولكن خرجوا بقناعة لا تزحزحها الرياح، بفضل الخطاب السياسي لدكتور “عيسى” وآخرين من قيادات كردفان ومنطقة المسيرية.
} ومثل د.”عيسى” يُدخر ليوم كريهة وسداد ثغر، فلماذا هذا الجحود و(تنزيله) في موقع لا يستطيع خلاله خدمة منطقة ولا تقديم فكرته؟! فالطبيب والاختصاصي لا يصلح لوظيفة معتمد أو عضو برلمان، وكذلك الضابط الإداري تتقاصر خبرته عن تولي إدارة مؤسسات البحث العلمي، فكيف يتم قيد وسجن قدرات د. “عيسى بشري” في وظيفة الرجل الثاني بالبرلمان.. ومن هو أعلى منه مرتبة أصغر منه سناً؟! وإذا رُفع صوت احتجاج قالوا لك الشعار الذي يفارق الواقع (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه)!! مع أن الذي لا يريد سلطة ولا جاهاً لن يؤسس حزباً وينشئ دوراً وصحفاً!!