أخبار

تهاني وتهاني !

من البدع البغيضة في السياسة السودانية وساحات العمل أن أحدهم حينما يقع الاختيار عليه لشغل منصب وزاري، تندلق عليه كتلة من الإعلانات البهية الألوان، بارزة الحروف تهنيء الوزير وتشيد بثقة رئيس الجمهورية التي أسبغها على الوزير الجديد، وتعدد مآثره ومناقبه معظمة من تميزه وحسن سيرته. وجرى العرف اللئيم عادة أن يضع المهنيء صورته في الوسط بينما صورة رئيس الجمهورية والوزير عن يمينه وشماله ،فيتحقق له بإعلانه المدفوع القيمة شرف الجلوس في (حذية) الرئيس وتملق المسؤول الآخر مع جملة أغراض أخرى أوضحها بالطبع الترويج لشركته أو مؤسسته.
الغريب أنه وبحسب حماسة هذا النوع من الإعلانات والواقفون خلفها فإنهم قطعاً يحتاجون إلى تباين موقفهم من تهاني تكون قد سبقت لوزراء منصرفين خرجوا، فهل سنرى يوماً إعلان (كفارة) أم أن الخارج عن المنصب في هذه البلاد منسي ولو كان من المجيدين وأهل الصلاح ؟
بدعة جديدة و(شديدة) أطلت أمس إذ تقدم وزير (ولائي) بالتهنئة الحارة والوطنية لوزير (اتحادي) وأعني (مركزي) ، إذ أعرب الوزير الممسك بذات الحقيبة في الوزارة البعيدة عن شكره وتقديره للرئيس “البشير”، لجهة اختياره للوزير وتجديد الثقة فيه في تعديلات الحكومة المركزية التي أجريت مؤخراً في حصة المؤتمر الوطني، وقطعاً فإن هذه سابقة لم تقع عليها عيناي أو أسمع بها.
بعد تهاني المؤسسات والشركات وأهل المصلحة والقبائل و(خشوم البيوت) لأبناء السودان (البررة)، فإن الصرعة الجديدة تقديم الوزراء الولائيين التهنئة لنظرائهم الاتحاديين، وقطعاً فإن هذه طفرة نوعية في آليات الاستقطاب المعنوي ولا أود في التهور ونعت الأمر بما يسمى حالياً في العامية بـــ(كسير التلج)، فذاك فن ومنهج، وإن كان بغيضاً لكنه يؤدى بطريقة أكثر لباقة من موضة تهنئة الوزراء لبعضهم البعض والتي لا أظن أنها حدثت في بلد من بلاد العالم قديماً وحديثاً وربما مستقبلا !
يجب أن تكون للحكومة هيئة حسبة لضبط مثل هذه السلوكيات والمبادرات المحرجة حسنت النوايا أو ساءت من أصحابها ، وعلى هؤلاء المهنئين إن كانوا حقا وصدقا يحترمون ثقة الأخ الرئيس في أبنائهم أو إخوانهم مساندة الوزراء بالعمل والإنتاج وليس دلق التهاني على صفحات الصحف، وإن كانوا حقاً وطنيين فثمة مليون طريقة لدعم هذه الوطنية بأفعال حقيقية وأنشطة واقعية عوضا ًعن هذه المنشورات التي لا تخرج كما بينت عن نطاق أنشطة العلاقات العامة والتسويق والتزلف للمسئولين، والذين عليهم من جانبهم وتحديداً الوزراء منع مثل هذه الممارسة ولو بإصدار تعميم من مجلس الوزراء إن خافوا الحرج.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية