شــــيء مـــــا..!
كانت تكتب في مجلة (صباح الخير) المصرية باباً عنوانه (شيء ما).. اسمها “نادية عابد”.. لا أنكر أنني كنت قبل سنوات طويلة مضت أقرأ لها باستمرار.. فالعنوان شدني إلى كتاباتها الرومانسية التي تنسجم مع طبيعة تلك المرحلة الأكثر صفاءً ونقاءً وشفافية.
ورغم أن (شيء ما) اتضح لاحقاً أنه مكتوب باسم “مستعار” لكن ذلك لم يقلل من شهرة وذيوع هذا “الباب” بل ازداد طرق القراء عليه لأنهم كانوا يجدون فيه محفزاً عاطفياً وجمالياً للبحث عن هذا (الشيء الما) الذي يسمو بأرواحهم وعقولهم..!
هذا (الشيء) الذي عبر عنه أيضاً بحرفية عالية “إحسان عبد القدوس” في روايته (شيء في صدري) التي تحولت إلى فيلم سينمائي لا يقل حساسية مرهفة عن الرواية.. ومثل “نادية عابد” و “إحسان عبد القدوس” كتب آخرون عن (الشيء) هذه المفردة السحرية التي تساوي كل الأشياء لأنها مفردة “غير محددة” وإنما مشرعة على الواقع والخيال وما بينها أيضاً وعلى نحو يؤهلها لأن تصبح معادلاً موضوعياً لكل ما هو حولنا من أمور مادية ومعنوية.
وفي حياتنا اليومية “أشياء” لا نستطيع تسميتها أو توصيفها.. فنقول عنها إنها “شيء” ونعترف أكثر حين نصطدم بحاجز الحيرة وعدم القدرة على التعبير فنكتفي في لحظات دهشتنا البريئة بإطلاق كلمة “شيء” المرنة مشفوعة بشروحات لمعنى “غائب” على شاكلة “شيء لا يوصف” و “شيء غريب وعجيب ومذهل.. إلخ”.
ولأن “الشيء” مسألة “مبهمة” رغم أننا نقصد به التعريف والتبسيط مثلما قد نقصد به أحياناً الترميز والتضخيم، فقد ظلت “الأشياء” تمارس علينا سطوتها وتستعلي على “المقصود بها” بعد حذفه والاستعاضة عنه بمفردة “الشيء” ذات الجرس الموسيقي العالي!!
لكن عندما يرتبط الشيء بـ”ما” فذلك يعني قمة “التمويه” الإيجابي الذي يدفعنا باتجاه البحث عن حقيقة غائبة أو أخرى حاضرة ولكنها بأكثر من وجه ولسان!
و”مصطفى سيد أحمد”.. هذا النبيل الذي غادرنا باكراً تغنى ب”الشيء” أيضاً بعد أن جعله أكثر قرباً من الناس ملتقطاً مفردة “حاجة” الدارجية والتي تعني “الشيء”، فأوجز كل الذي يمكن أن يقال عن هذه المفردة السحرية.. يقول الجزء الأخير من أغنية مصطفى والتي كتب كلماتها الشاعر الرقيق هاشم صديق:
حاجة فيك
لا بتبتدي لا بتنتهي
خلتني أرجع للقلم
وأتحدى بالحرف الألم
وأضحك مع الزمن العريض
وأنسف متاريس الطريق
أعرف متين أبقى المطر
وأفهم متين أصبح حريق
ومناسبة كل هذا الكلام عن “الشيء” هو الشعور بأن ثمة “شيء ما” كنت أود الكتابة حوله والإفصاح عنه دون أن أعرف ما هو هذا الشيء.. إنه “شيء ما”!!.