أخبار

إلى هذين..!

} إلى “أبو عركي البخيت”
أين أنت أيها الرائع؟ كأنما عاودك الذهول حين اكتشفت مجدداً أن العالم من حولك هو الخواء، وأن الغناء في زمن التيه جرم لا يغتفر..!
نفتقدك كثيراً وأنت تمارس صمتك وانزواءك.. نبحث عنك في التلفاز والمذياع، فلا نجد إلا نذراً قليلاً من ذاك القديم على حلاوته.. نبحث عنك في طقوس الفرح الجماعي في الهواء الطلق، فلا نجدك إلا من خلال وجوه أخرى مقنعة سعت لتقليدك لكنها لم تنجح في أن تنسينا أن هناك “عركياً” مفقوداً.. وبعيداً عنّا..!
ليتهم يعرفون قدرك أيها الهرم المتوج في ذاكرة الأزمنة الأجمل والأروع.. وليتهم يعطونك حقك أيها المتشرب بالشجن.. القابض على جمر السؤال: متى يأتي الزمن الجميل؟ ومتى تعود النوارس من المطارات البعيدة؟! ومتى تضحك المدينة المظلمة التي غنيت لها آمراً: (أضحكي.. أضحكي..)!
لكن دعني أسألك هذه المرة: متى تضحك من قلبك أنت؟ ومتى يعود صوتك ليملأ الآفاق فتتلاشى فقاقيع الظلام.. وتندثر موجة البلاهة والتسطيح والريتم الركيك المشاتر فينكسر حائط الملل ويتهشم حاجز العزلة؟!
زمانك أيها المبدع لم ينته، بل لم يبدأ بعد..
سيكتشفون يوماً أن ثمة من يستحقون كل هذا الضوء.. وأن العتمة لا تحجب النجوم التي استقرت في الذاكرة..!
} إلى د. “محمد عبد الحي”
عذراً أيها القامة.. فقد وعدتك أن أستكمل ما بدأته من دراسات عن مسيرتك وإبداعك.. وسجلت ذلك في الدراسات العليا بالقاهرة حين اخترتك أنت وحدك لتكون (موضوعاً) لبحثي في (النقد الأدبي المقارن).. حين قارنت عملك المسرحي الشعري (رؤيا الملك) بالأعمال التي كتبها آخرون شهيرون في (الوطن العربي) حول ذات النص والفكرة.. وأكدت من خلال هذا البحث أن تميزك كان منبعه أنك صاحب رؤية أخرى ومغايرة وأنك تمتلك قدرة مدهشة على (فلسفة الشعر)..!
كنت أظن أن الزمن سيسعفني كي أستكمل ما بدأته عنك.. لكن الغربة البعيدة احتوتني.. والعودة إلى غربة أكبر في الوطن أربكتني.. وقطار العمر يمضي مسرعاً والأحلام المؤجلة ظللت أتركها في المحطات التي لا يمكن للقطار أن يعود إليها..!
اعذرني أيها النبيل.. فقد كان رحيلك مباغتاً.. وكانت (وعودي) أشبه بالماء.. الشمس أقوى منَّا جميعاً.. ما زالت تمارس لعبة (البخار) وتبخير الماء الذي يتسرب من بين أصابعنا.. أصابعنا المحترقة بالكتابة وكادت أن تنوء بحمل هذا القلم.. ربما يكون (الوعد) قائماً يوماً حين يصفو هذا العقل المتشظي باللهث وراء معرفة حقيقة هذا الذي يحدث من حولنا.. وإلى أين نخطو وقد تقاطعت الطرق.. وتوهتنا البوصلة..!
عذراً.. فالموتى الخالدون في ذاكرتنا هم وحدهم من يستحقون الاعتذار.. لأنهم لا يعرفون مثل الأحياء كيف يأخذون هذا الحق.. وأنت الذي علمتنا في نصك المدهش (رؤيا الملك) أن الملوك وأصحاب السلطة أكثر الناس خوفاً من الموت.. وأن (رؤيا الموت) في مناماتهم لم تدفعهم لتقديم الاعتذار لشعوبهم وإنما جعلتهم أكثر إمعاناً في التجبر والقهر..!
عذراً.. أيها الفيلسوف في زمن التبلد وتغييب العقل.. ما دمت (حياً) سأغامر أكثر كي أفي بوعدي لك!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية