الديوان

صفات الفنانين.. مطربون بنكهات إنسانية!

اختلاف الفنان الفطري عن غيره من بقية الناس يظهر واضحاً في تأثره البالغ بتفاصيل صغيرة قد لا يلقي لها الآخرون بالاً… وذات الخصوصية التي تميز المبدع عن غيره تجعل وجدانه متعلقاً بإحدى الصفات التي لا ينازعه عليها أحد.. وهو ما يجعله مختلفاً عن الآخرين في حركاته وسكناته.
المطربون السودانيون تأثروا بشدة بالحياة السودانية التي تحتفي حد المبالغة بكثير من المعاني الإنسانية.. وكونهم مبدعون يرون ما لا يراه غيرهم.. فإن بعض هذه المعاني تغلب على شخصياتهم وتجعلهم مطربين بنكهات إنسانية.
دموع «محمد الأمين»… حاضرة في كل الأزمات
يعد الموسيقار «محمد الأمين» رغم صرامته الظاهرة أمام جمهوره لا تخطئها العين على خشبة المسرح، إلا أنه يملك قلباً رقيقاً شديد التفاعل مع قضايا مجتمعه ومحيطه الفني.. في إحدى حفلاته الجماهيرية التي كنت شاهداً عليها بكى «محمد الأمين» ثلاث مرات في أغنيته الملحمية (بتتعلم من الأيام).. وكان بكاؤه حاراً إلى الحد الذي أبكى معه كثير من الجمهور.. كما أنه ذرف دموعاً في مناسبات متفرقة على خشبة مسرح (نادي الضباط) منها بعد انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة، وبكى بعد رحيل الموسيقار «محمد وردي» في أول حفل جماهيري له، وخاطب الجمهور وقتها بأنه كان على وشك اعتزال الغناء بعد وفاة فنان إفريقيا الأول لولا أن الموت هو سنة الحياة، تلك كانت سلسلة متتابعة من (الدموع) أراقها (الأفوكاتو) حزناً على رحيل رفيق دربه، وبكى في إحدى حفلاته أثناء مخاطبته لجمهوره وإبلاغهم أن ذلك سوف يكون آخر حفل له قبل توجهه إلى عاصمة الضباب لمواصلة علاجه هناك.
عركي يتنفس هموم شعبه
غير بعيد مما يميز «محمد الأمين» عن تلك الصفة الإنسانية يقف إلى جواره في ذات الصفة الفنان «أبو عركي البخيت» الذي يضيف إليها قيمة الوفاء النادرة وحضوره قبل الآخرين في الملمات والأتراح، وتقديمه يد العون إلى زملائه من الفنانين والموسيقيين والشعراء، وهو أمر ميز «عركي» فإنه يكون حيث يجب أن يكون في الوقت المناسب وقبل الجميع، وهو الأمر الذي جعل زميله الدكتور «عبد القادر سالم» يصفه بالرجل الغريب، وعندما استفسرته عما يقصده قال لي إن «عركي» رجل غريب، تجده مساعداً لزملائه في كل أزمة أو حادثة أو مرض.
سألت «عركي» قبيل (عيد الأضحى) الماضي عن نشاطه الفني خلال العيد.. وليتني لم اسأله فقد رد عليّ بنبرة حزينة للغاية قائلاً: (هسه ده سؤال تسألني ليه يا «محمد»… كل الناس الماتوا ديل مين عندو نفس يغني أو زول يسمع غنا)، لزمت وقتها الصمت المطبق ولم أستطع مواصلة الحديث، وعلمت ساعتها أن «عركي» ليس وفياً لزملائه فحسب بل وفياً لسواد الناس ولقيم ظلت تحكم مسيرته الفنية، وأيقنت وقتها أن «عركي» (يتنفس هموم شعبه).
سخرية «ترباس» البيضاء
 بعمته المهيبة وصوته الفخيم (والوصف من ذاكرة استأذنا ميرغني البكري) يقف الفنان «كمال ترباس» على ناصية السخرية والتشبيه التي تندلق من فمه بروية وبفطرة سليمة لا يجتهد فيها كثيراً.. لكنها تخرج هكذا بعفوية لا تكلف فيها… «ترباس» صاحب أشهر التعليقات والتشبيهات التي بات بعضها بمثابة المقولة الرائجة داخل الوسط الفني من أشهرها (أنا زي البيبسي تشربني أهضم ليك.. تخجني أطلع ليك بنخريك)، وهي حالة تماثل تماماً صفات «ترباس» لأن من يعرفونه جيداً يدركون أنه يملك قلباً ناصعاً ولكنه في ذات الوقت يملك لساناً لاذعاً لا يتورع في إشهاره نقداً وسخرية لكل المحيطين به، ومن مقولاته الرائجة (جني وجن البيقلب السمك وما عندو حق الشرينغ)، كما يتميز بصفة الاعتداد بالنفس مثل قوله (أنا عدادي القرد ما بينطو).. «ترباس» دخل في معارك كلامية مع «عبد الوهاب وردي» و»سيف الجامعة» والموسيقار «عبد الماجد خليفة» الذي وصف ألحانه بأنها مثل (السليقة الباردة) و»سيف الجامعة» و»عمر إحساس» و»سامي المغربي»، لكنه في ذات الوقت لا يرد إطلاقاً على أي هجوم تعرض له من الفنانين الكبار أمثال «محمد الأمين» و»وردي» و»صلاح بن البادية» و»محمد ميرغني»، ودائماً ما يقول قولته الشهيرة (العين ما بتعلى على الحاجب)، وحين سألته عن ما خرج به من كل تلك المعارك الكلامية، رد بابتسامة واسعة (والله ما شايل في نفسي أي حاجة من أي زول).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية