استراحة الجمعة
} “حسين عوض الله” يقود سيارته (الفورد) الأمريكية بطريقته الخاصة، يمتشق الرمال في فتوة ورشاقة.. يبرع “حسين” القادم من إحدى قرى بحر أبيض في استخدام (الكوز)، وهو عبارة عن علبة صلصة يتم وضعها في (دواس الجازولين) لتصدر صوتاً عذباً.. كلما ضغط السائق على الوقود ارتفع صوت (الكوز) أنيناً عذباً تهفو إليه قلوب بائعات الشاي و(التكاي)، وهو مشروب بلدي يقع في المنطقة الوسطى بين الحلال والحرام.. غير مسكر ولكنه يهدئ الأعصاب، والإكثار منه يؤدي للنوم العميق.. تعرف (ستات الشاي) في محطات اللواري الشهيرة غرب الأبيض “أبوكندي”.. السعاته الزرقة.. والإضية.. والخوي.. يعرفن سائقي اللواري (بالجاز) تقول إحداهن لجارتها وهي تضحك.. وصوت السيارات يترسبل من بعيد في هجعة: (كلتوم” أسمعي صوت جاز “الفاضل ود الجزيرة”.. وتقول “أم الحسين” لا دا ما “الفاضل” ولا “حسين عوض الله” دا “عثمان” دائماً جازو نَيْ) والجاز الني يعني إنه لا يضغط بشدة على الجازولين مما يؤدي لوحل سيارته في الرمال.. وتم تخليد “حسين عوض الله” في أغنيات (الدلوكة) التي تعرف (بالربة) في الثمانينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مثل السائق الشهير “كباشي” الذي تغنى باسمه “عبد الرحمن عبد الله، (كباشي لو ترضى وصلني ودبندة).. وسائق اللواري وكاتب الدونكي أهم شخصيات مجتمع ذلك الزمان قبل الأستاذ والعمدة وتاجر الحلة.
} في إحدى رحلات “حسين عوض الله” السائق الشهير في ربوع كردفان ما بين الأبيض والنهود.. غاصت سيارته (الفورد) في رمال قرية أم رماد الواقعة غرب الأبيض، وفشل الشباب في مساعدة السائق الماهر لإخراج السيارة من الوحل، فتغنت الفتيات بأغنية دلوكة ظلت صامدة في القرى والحلال حتى عهد قريب مثل أغنية “سلوى” لـ”إبراهيم عوض” وأغنية (حبيبي لا تلوم أنا جافني النوم).. وأطربت أغنية “حسين عوض الله” الشباب في ذلك الزمان، ويقول مقطعها.. (حسين عوض الله” كُب الجاز برمي ليك الصاجة شباب أم رماد بقى فراجة).
} والفتاة تسخر من الشباب العاجزين عن مساعدة السائق الماهر “حسين عوض الله” في انتشال السيارة من وحل الرمال.. ويتكئ سائقو اللواري في المقاهي ورواكيب (المحطات الحزينة القصرت مشوار سفرنا).. للراحة والاستجمام في ساعات النهار، بينما تمخر اللواري عباب الليل نحو دارفور، قبل أن تتمزق أحشاؤها بالتمردات والنهب.. وكانت السرقة والنهب فعلاً منبوذاً في القرى و(الحلال)، مفردها (حلة)، وتم تخليد ذكرى مشينة لأحد شباب قرية (السعاتة بخاري) وهي مسقط رأس آل “بخاري” السفير الراحل “صلاح بخاري” والكاتب الصحافي أنيق العبارة “مهيد بخاري” والراحلة الأستاذة “عفاف بخاري”. والسعاتة قرية أنجبت الأفذاذ والنجباء، وفي إحدى المصايف سعى أحد الشباب لنهب متجر من سوق القرية، وحينما داهمته مجموعة من شباب القرية فر هارباً مخلفاً حذاء عرف (بالدبابة)، فتغنت الفتيات لهروبه وفعلته الشنعاء (بكسر) الدكان.
(الولد دا كسر الدكان.. ونسى الدبابة.. وطلع القيزان.. وبقى برينسة وسبق النيسان)!
} وتعرف القرى والأسواق “حسين عوض” بصوت سيارته (الفورد) والبوري الشهير، وحينما يحل فصل يونيو من كل عام، وتنذر السماء الأرض بهطول المطر يودع “حسين” أحبابه من سكان القرى وأصحاب المقاهي وبائعات الشاي ويخلد للراحة طوال فصل الخريف بمنطقة المناقل، ليعود في شهر أكتوبر تواصلاً حميماً وعشقاً سرمدياً للترحال والأسفار والرمال والخيران و(التكاي) والعسلية وأشياء أخرى.