أخبار

الخبز وصابر..!!

} تكتمت كل الأطراف التي جمعها النائب الأول لرئيس الجمهورية في مكتبه (الثلاثاء) الماضي، وسكتت عن الإفصاح والاعتراف بالأسباب الحقيقية وراء أزمة الخبز في ولاية الخرطوم، وعزت أسبابها إلى خلل إداري عارض أدى إلى نقص انسياب القمح إلى المطاحن. وأكدت الأطراف المعنية بالأزمة، ولاية الخرطوم ووزارتا المالية والتجارة، تجاوز الأزمة. إن تعليق أسباب الأزمة بخلل إداري فقط هو تبسيط لا يتسم بأي قدر من المعقولية!! كما أن السؤال الذي لم تجب عنه ولاية الخرطوم: أين وقع الخلل الإداري؟ هل هو مسؤولية موظفين مثلاً في شركة “أسامة داوود” التي تستورد الدقيق؟ أم خلل في سداد البنك المركزي لاستحقاقات الشركات التي تستورد الدقيق من العملات الصعبة؟ أم سبب آخر مسكوت عنه؟!
} الحكومة طمأنت نفسها فقط بحل أزمة الخبز، بينما الندرة والشح هما السائدان في منافذ توزيع الخبز حتى يوم أمس!! فهل هذا لإصرار ولاية الخرطوم على سعر (أربع رغيفات) بجنيه واحد؟ أم أن السبب إحجام المخابز عن العمل بالطاقة القصوى؟ وقد ارتفعت أسعار مدخلات الخبز بلا استثناء، ولجأ أصحاب المخابز لإنقاص وزن (الرغيفة) حتى اقتربت من حجم قطعة (الزلابية) خاصة في الأحياء الطرفية الفقيرة!
} لماذا تحتكر شركة خاصة واحدة أو اثنتان فقط طعام أغلب السودانيين (القمح)؟ هل الدولة عاجزة عن استيراد القمح بنفسها وقد أصبح القمح سلاحاً يمكن استخدامه سياسياً وأمنياً؟ كيف تأتمن الحكومة رجل أعمال واحد أو اثنين وتمنحهم عنقها لقطعها وقت شاءا؟ وبكم يشتري رجال الأعمال الذين يستوردون القمح الدولار من البنك المركزي؟!
} أسئلة عديدة تتمدد من بنك السودان إلى وزارة المالية وجهات سيادية عن ملف الغذاء في السودان، الذي لا يحتمل المسكنات المؤقتة حينما يتقيح جرحه. ومن قرأ ورقة د. “صابر محمد الحسن”، التي قدمها لمجلس شورى المؤتمر الوطني مؤخراً عن الوضع الاقتصادي في البلاد، ينتابه الخوف والفزع من ما هو قادم!! وقد آثر بعض المسؤولين تجميل الواقع الراهن وتطمين النفس بتحسن في الاقتصاد مقبل الأيام، ولكن كيف ذلك والدكتور “صابر” يعترف بأن سياسات الإصلاح الاقتصادي أصابها خلل جوهري بفشل الحكومة في تطبيق سياسة خفض الإنفاق، ما أدى لارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد. وما لم يذكره د. “صابر” في ورقته أن الحرب التي اندلعت الآن بشراسة تتطلب إنفاقاً متزايداً خلال الأشهر القادمة، الشيء الذي يدفع الحكومة مكرهة إلى الإقبال على تطبيق الوجه الثاني من سياسات رفع الدعم عن المحروقات، ومراجعة التعرفة الجمركية للسلع الواردة بعد أن أدت الزيادات الكبيرة جداً في التعرفة الجمركية للسيارات إلى ركود في سوق السيارات. وقال أحد وكلاء السيارات إن شركته انخفضت مبيعاتها من (300) سيارة في الشهر إلى (10) سيارات فقط خلال الشهر الماضي، وخسرت المحكومة بذلك عائدات كبيرة من جمارك السيارات.
} إن أزمة الخبز وشح العملات الأجنبية والركود الذي يعاني منه السوق الآن، ما هو إلا بداية لأزمة لا نهاية لها، والحديث عن ازدهار الاقتصاد في مقبل الأيام لا يعدو كونه أحلاماً بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الناس، وزاد الأمر سوءاً عودة الآلاف من المهاجرين بطرق غير شرعية من المملكة العربية السعودية وتدني الإنتاج بسبب نقص الأمطار في بعض الولايات.. وتطل قضية التقاوي الفاسدة لترسم صورة شديدة القتامة لما قد يحدث في العام القادم من شح في الغذاء وارتفاع جنوني في الأسعار وتدنٍ في قيمة الجنيه السوداني، والحكومة تدفن رأسها في الرمال ولا تعترف بالأزمة حتى تبحث عن علاج لها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية