سوق القصيرية.. وقصص أشهر الترزية!
زقاق القصيرية بسوق أم درمان من الأزقة القديمة بالسوق العتيق، وكان يوجد بهذا السوق قبل قرابة القرن من الزمان أشهر الترزية الذين برعوا في حياكة الزي القومي السوداني من (عباءات) و(جلاليب) و(قفاطين). يقع سوق القصيرية شرق شارع (الصاغة) أو شارع (التمارة) كما يسميه البعض، يحده من الناحية الشمالية عدد من المحال وإلى الجنوب منه تماماً الميدان الذي يقع غرب الجامع العتيق، ويُخرجك شارع القصيرية شرقاً إلى المحطة الوسطى التي اكتسبت شهرتها منذ خمسينيات القرن الماضي بسبب وجود محطة (الترماي).
ويقول الترزية هنالك إن أصل تسمية هذا السوق ترجع إلى موقع المكان الذي يرتفع عن ما حوله، ورغم أن خارطة سوق أم درمان القديمة لم تتضمن موقعاً لهذا السوق، إلا أنه يرجح أن يكون الترزية قد تجمعوا في هذا المكان منذ عشرينيات القرن الماضي بسبب توسطه للسوق، كما تلاحظ وجود ترزية مشهورين بمواقع أخرى متفرقة بسوق أم درمان بعيدة عن القصيرية من بينها محال الترزي الشهير “أحمد عبد الصمد” وكان يوجد على شارع الموردة قرب مقهى “جورج مشرقي”، بالإضافة إلى الترزي “يوسف نعمان” الذي اشتهر باسم (ترزي المؤتمر) وكان يقطن حي (العرضة) العريق، والترزي “مهدي شريف” الذي برع في حياكة البدل الإفرنجية وأتقن صنعها وجارى في ذلك كبريات المحال.
وكان الترزي “عابدين مرجان” الذي ينتمي إلى قبيلة (الدينكا) و”محمد الطيب الجعلي” و”خضر عودة” من أشهر الترزية بسوق أم درمان، اشتهروا بتفصيل وحياكة (العباءات) و(القفاطين)، أما الترزي “علي الديب” فقد كان بارعاً في حياكة الإفرنجي من بدل و(جاكيت) و(بالطوهات) وقيل إنه كان يبدع في تفصيلها من أفخم الأقمشة.
وعادة ما ينزل الترزية في هذا السوق إلى رغبة الزبون في ما يتعلق بتفصيل الجلابية، ويقول الترزية أنفسهم إن بعض الزبائن يطلبها (مقفولة) أي ذات رقبة مستديرة أو مفتوحة بواسطة (كشكليك)، وهو الشريط الذي تعلق عليه الأزرار، وبعضهم يطلب الجلابية الأنصارية ورقبتها على شاكلة الحربة من الأمام والخلف (مثلثة) وهذه عادة ما يطلبها الأنصار، أما الجلابية المقفولة فيطلبها الاتحاديون، والجلابية ذات (اللياقة) كان يطلبها الختمية.
ويقول الترزية هنالك إن أشهر الذين كانوا يفصلون لدى القصيرية السيد “عبد الرحمن المهدي” وأسرة الزعيم “إسماعيل الأزهري”، وكان يتردد عليه الدستوريون، بالإضافة إلى أهالي أم درمان الذين يعتبرون زبائن دائمين. ورغم مرور الدهر على هذا السوق وامتداد يد الحداثة إليه باختراق (البوتيكات) الحديثة أسواره، إلا أنه ما زال يحتفظ بذات التخطيط القديم وبعض من ارثه وألقه العتيق، وربما لا يجد الزائر لسوق القصيرية اليوم كثير اختلاف، فهو ما زال يحتفظ ببضع صناديق لماكينات قديمة تسير مع عجلة الزمان في صبر بالغ، وترتفع أصوات (موتوراتها) عالية تحطم حائط السكون، وهي تعلم أن الزمان لن يتوقف ولن يرجع إلى الوراء ليعيد تلك الأمجاد!