حاكموهم أو حاكمونا
في مصر المجاورة و(حالياً) وعقب تطورات الوضع السياسي وعزل الرئيس المنتخب وحظر جماعة الإخوان المسلمين، فإن مجرد رفع الأصابع بإشارة (رابعة) كفيلة بجر الآتي بها إلى المحابس وغرف الاستنطاق وربما المحاكمات. وأقرب الأحداث إيقاف إدارة النادي الأهلي للاعب “أحمد عبد الظاهر” بسبب إشارة (رابعة)! التي رفعها بعد إحرازه لهدف في مباراة نهائي دوري الأبطال بين الأهلي وأورلاندو الجنوب أفريقي، وفى العراق فمهما تكن فإنك لا يمكن أن تتحدث مشيداً بحزب البعث، وفي أمريكا ستكون عرضة للمحاكمة بتهمة الإرهاب ودعمه ، وإن كان حظك مناسباً وفى يومه فأغلب الظن أن المتهم والمشتبه به في هذا سيكون بين خيار الترحيل إلى وطن آخر أو الإعادة إلى وطنه الأم.
فى بريطانيا وطوال سنين الصراع مع الجيش الجمهوري لم يكن مسموحاً بعرض أخبار الايرلنديين الثوار أو إظهار التعاطف معهم ويحدث هذا في بلد يضرب به المثل في تأسيس قواعد الحريات السياسية والصحافية. ومثل هذا كثير في دول أوربية وعربية وأفريقية، ففي الخليج لا يمكن ببعض الممالك الحديث عن الإصلاحيين.
في السودان نرى عجباً فهو البلد الوحيد الذي تظهر فيه أحزاب المعارضة بالداخل، المسماة وطنية دعمها لجماعات تحمل السلاح وصحف الأمس تعلن بأخبار بارزة أن المعارضة تلتزم بإسناد ودعم الجبهة الثورية، والأخيرة كما هو معلوم ليست حزباً معارضاً أو حتى يمارس سياسة مدنية بالداخل، ولو كانت ضد الحكومة وإنما هم جماعة مسلحة تقتل المواطنين الآن في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وتنصب الكمائن لقوات الجيش والشرطة وتهدد باجتياح المدن (وهيهات) مما يجعلها حسب المعلوم بالضرورة، من أدنى مفاهيم القوانين والدساتير والعرف جماعة متمردة خارجة إرهابية مطلوبة للعدالة.
القانون الجنائي السوداني حدد في فصله الخامس بالتفصيل وباستفاضة، جرائم ومحظورات ترتكب باسم الجبهة الثورية تحت بنود الجرائم الموجهة ضد الدولة، وتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة بجمع الأفراد أو تدريبهم أو جمع السلاح أو العتاد أو يشرع في ذلك، أو يحرض الجاني على ذلك أو يؤيده بأي وجه. وتمتد القائمة إلى الأضرار بمركز البلاد الحربي فضلاً عن الدعـوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف والقوة الجنائية و إثارة الكراهية ثم نشر الأخبار والإشاعات الكاذبة، مع العلم بعد صحتها لإرهاب الجمهور وتهديد السلام العام، وهذا كله تدان به حركات التمرد التي يعلن المناضلون بالأمس تأييدهم لها وأنهم معها ليكون السؤال هنا، ألا ينطبق على هذه الأحزاب وصف أنها محرضة ومعاونة وشريكة جنائية فيما ترتكبه الجبهة الثورية مثلا !؟
إن الحكومة التي تحترم نفسها وشعبها لا يمكن أن تسمح بهذا الهراء، ومثلما أن السلطات تقتاد (الفريشة) والباعة الجائلين للمحاكم بتهمة ممارسة التجارة العشوائية وبسلطة الأوامر المحلية فما الذي يمنع من محاكمة “فاروق أبو عيسى” و”كمال عمر” و”الخطيب”، أم أن القانون لا يطبق ولا ينطبق على هؤلاء الأشراف، رغم أن بائع (المساويك) والفاكهة في الطرقات لا يقتل جندياً أو يحرض على تدمير الوطن لصالح الأجندة السياسية.