المركزي..!!
قبل عدة أيام دار سجال بالنفي والنفي المضاد بين بنك السودان المركزي وغرفة مصدري الأدوية، أو جسم معني بأمر استيراد الدواء، حيث زعمت الغرفة أن البنك المركزي فشل في الإيفاء باحتياجات النقد الأجنبي وهو ما قال المركزي إنه قول غير صحيح وإن المحتجين هم من فشلوا في توفير (المقابل) بالعملة المحلية.. ثم وفي أخبار الأمس تهديد شركات الطيران الخارجي بالتوقف عن العمل في الرحلات من وإلى الخرطوم، لوجود مشكلات تواجه توفير العملة الصعبة لإكمال عملية تحويل أموال الشحن والنقل للشركات التي رئاستها بالخارج.
مثل هذه السجالات والنقاشات تضع بنك السودان في دائرة الانتقاد، كما أنها تضيف ظلالاً سالبة على مجمل المشهد الاقتصادي الذي لا ينقصه عك التصريحات ليعقد الأمور أكثر ويزيد الطين بلة، والمشكلة دوماً ستبقى أن مساحة الآخرين أوسع في الحركة والتنوير، فيما يبقى (البنك) عالقاً في بيروقراطية الموظفين التي بالكاد تخرج تصريحاً من متحدث باسمه، أو بعد (طلوع الروح) يتحدث (المحافظ) في مناسبات شحيحة.
عدم تدارك مثل هذه الإشكالات هو السبب الأول والرئيس في اتساع نطاق التجارة بالعملة الصعبة، لأن حجم الكتلة المرغوبة من الدولار يكبر ويضطر صاحب الاحتياج للتوجه إلى السوق السوداء بأسعارها واشتراطاتها، والسعر الموازي الذي تحقق الشركات– طيران أو خلافه– فروقاته بوضع إضافات على الأسعار بحجية أن الدولار مرتفع، ولك تصور احتياجات شركات الطيران والأدوية وشركات الاتصالات وغيرها من أموال وعوائد أجانب أفراد أو مجموعات تريد حصتها بالنقد الأجنبي بالطبع.
ولمن لا يعلم، فإن ظاهرة جديدة بدأت في الظهور عبر جاليات أجنبية (عربية) تنشط الآن في تجارة الدولار وبكميات كبيرة وأرقام المدهش فيها تساؤل عن كيفية دخول هذه الأموال الضخمة للبلاد وبقائها خارج النظام المصرفي، لأنها ببساطة في شقق ومنازل أولئك الأجانب وفي مطاعمهم الفاخرة التي انتشرت في أرقى أحياء العاصمة، وهؤلاء يوفرون لك ملايين الدولارات يتم إحضارها في أكياس لمن رغب، وهو ما يجعل السوق الموازي الآن ساحة لاعبين (محترفين) وبقدرات عالية ومهن رفيعة، يصغر أمام ضررهم وخطرهم نشاط أولئك البؤساء من الناشطين في (فك) مائة دولار أو خمسمائة في شوارع السوق العربي.
المؤسسات والهيئات والشركات وكامل الاستثمارات يقنن وجودها القانون، وهي تحت العين والنظر، يجب الإحاطة باحتياجاتها و(توفيرها)، لأن هذا هو المدخل الأول لضبط سوق العملة، وإن لم يحدث ذلك فإن ثمة فشلاً عريضاً يهدد كامل تحوطات وسياسات المصرف المركزي لتدارك علل سعر الصرف، ولن تنجح ملياران أو ثلاثة كمنحة أو هبة أو (دين) في ردم هوته ووقف انهياره، وسينتهي بنا الحال إلى وضع يصل فيه الجنيه ليكون عملة هالكة حتى في محيطنا الإقليمي بأفريقيا، إذ تساوت قيمته وقيمة بعض العملات بدول الجوار ويمضي إلى أدنى!!