أخبار

الملف الأمريكي

{ قال “بيتر لاراك” في كتابه (إستراتيجية التعامل السياسي) إن حظوظ الدول في البقاء والسيطرة على السطوة السياسية، تنبني على التعامل الدبلوماسي المتمكن والحيوي الذي يؤطر إلى قيام شراكات حقيقية وجادة تكمن في إمساك الملفات، والمساهمة في إصدار القرارات أو إلغائها انطلاقاً من مواقف قوية وثابتة، يمكن أن يكون للدول من حولها أدوار كورالية نتيجة لاتفاقيات سابقة. ومن هذا المنطلق نلحظ أن السودان يفتقد لهذه الجزئية التي تحدث عنها “بيتر” وأشار إليها في عدد من صفحات كتابه الذي فاق الأربعمائة صفحة.
{ كنا على يقين أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترفع العقوبات عن السودان، وأن تصريحات وزارة الخارجية اللاهثة تجاه البيت الأبيض لن تجد آذاناً صاغية أو منفذة، لأن السياسة الأمريكية لا تتعامل مع الحكومات المتساهلة معها، أو الراكضة لإرضائها رغم القرارات السلبية  التي تصدرها يوما بعد الآخر. وعليه فإن السيد “علي كرتي” قد سقط في امتحان الخارجية ولم يتمكن طول فترة تواجده في الوزارة من الإمساك بالملفات بالشكل الصحيح، ومن ثم اتخاذ القرارات التي تمكنه من خلق أرضية صلبة للسودان من خلال التعامل الدبلوماسي.
{ كنت أتوقع أن يرفض “علي كرتي” مقابلة المبعوث الأمريكي، ويطالب بطرد القائم بالأعمال من السودان بمجرد رفض أمريكا منح الرئيس تأشيرة دخول لبلادها، لأن التعامل الذي نراه الآن يمنح “أوباما” ورفاقه مساحات للضغط على السودان وفرض مزيد من العقوبات عليه، لأنهم يعلمون تماماً أن النتيجة ستكون مزيداً من المكاسب والركض الأرعن تجاه المسؤولين في تلك الدولة، والدليل المساحات التي تتربع عليها الآن السفارة الأمريكية في ضاحية سوبا والسكن الفخم لموظفيها في الفلل الرئاسية.
{ وتعامل وزير الخارجية السوري مع ملفات الدبلوماسية وتوطيد علاقاته مع حلفاء أقوياء، مكن دولته من الوقوف بصلابة أمام تهديدات أمريكا وحلفائها، ولعل الموقف الأخير لـ “أوباما” وسياسة الضغط التي مورست عليه من روسيا، تبين أن سوريا قد استطاعت أن تجيد القراءة الصحيحة للواقع السياسي في العالم، في الوقت الذي يسبح “كرتي” بحمد أمريكا ويحتفي بمبعوثيها ويقدم التهانئ والتبريكات للقائم بالأعمال، الذي يمثل في حد ذاته إهانة للسودان من قبل أمريكا الرافضة لإطلاق مسمى سفير في دولتنا حتى الآن.
{ الملف الأمريكي لا بد أن يتم فيه ابتكار سياسة جديدة تمكننا من إرسال رسائل قوية لـ “أوباما” من خلال تحالفات حقيقية وإستراتيجية واضحة مع دول عظمى مثل روسيا ووصيفاتها، ودعونا من ملفات التعاون مع “أذربيجان” و”النيجر” والدول التي لا تفيد ولن تتمكن من الوقوف بجانب السودان في أي محك حقيقي.
{ الرد على أمريكا لا بد أن يكون بالمثل من خلال تصريحات قوية وتحالفات جادة وإستراتيجية، ومن ثم طرد مبعوثيها والقائم بأعمالها من السودان، ولا أعتقد أنها ستتمكن من الرد علينا، خاصة وأن السودان قد فعلها من قبل إبان عهد الدكتور “مصطفى عثمان” مع بريطانيا وأمريكا، ولزمتا الصمت.
{ أعتقد أن الأستاذ “علي كرتي” قد رسب في كافة الملفات الدبلوماسية، لذلك فإن التعديل القادم لا بد أن يتم من خلاله الدفع بآخر متمكن من قراءة الأوضاع السياسية الخارجية، وقادر على إحداث نقلة تعيننا على صنع أرضية صلبة ومتينة.
{ من يعتقد أن التعامل مع أمريكا ينبغي أن يكون إيجابياً عليه أن يراجع وطنيته، وعلينا أن نتهمه بأنه واحد من رجالات أمريكا كما هو الحال في مصر القريبة، التي اكتشفت أن هناك مجموعة من الشخصيات تعمل لصالح أمريكا، ولكن الفرق يكمن في أن هؤلاء قد استطاعوا أن يفيدوا بلادهم بدعومات كبيرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية