الشاويش "عبد العال"..!!
فهم، يفهم، فهو فاهم، وربما فهّيم، ومجموعهم فاهمون، وقد يقولون (فهماء).. وكل هذه التصريفات اللغوية هي على صعيد (الدارجة) حتى لا نقع في أخطاء لغوية لا تُغفر، ولكن هذا ليس الموضوع.. وإنما الحكاية تقترب من شكوى (عديل كده) يرفعها البعض ونحن منهم، من أن الآخرين لا يفهموننا دائماً بالشكل الصحيح.. ولذلك بتنا نسمع عبارة (فهمتني غلط) أو (فاهمني غلط).. ولهذا الفهم المغلوط توابعه ولا شك.. تبدأ من التقدير الخاطئ للأمور وتنتهي بلا سقف.. كأن يحدث خصام أو قطيعة أو (تنخرب بيوت)..!
والخبثاء لا يقرأون المسألة بهذا الشكل البريء، وإنما يذهبون أبعد من ذلك ليؤكدوا أن الناس تفهم بعضها البعض جيداً ولكنها تظهر غير ذلك وتعلن (عدم الفهم) حتى تمرر أجندتها الخاصة.. عشان كده ناس كتار عاملين فيها ما فاهمين وهم الفهم ذاتو..!
ولماذا لا يكون الأمر هو مشكلتنا نحن وليس الآخرين في ظل عدم قدرتنا على التعبير عن أنفسنا بشكل جيد، وعدم جاهزيتنا لإزالة اللبس والغموض من العيون التي تحاول قراءة وجوهنا والتغلغل في أعماقنا؟ هل كان علينا أن نكون أكثر فصاحة وبلاغة ودقة في وصفنا لأشيائنا ومشاعرنا وأحاسيسنا؟! لكن هذه (المباشرة) أليست هي ممجوجة وتلامس السذاجة إن لم تقع أحياناً في فخ البلادة؟ لماذا لا يفهمونها وهي (طايرة) كما يقولون؟ ألم نحفظ عن ظهر قلب مقولة: (إن اللبيب بالإشارة يفهم..)؟! ما الذي حدث إذن؟! هل هو الكسل اللذيذ الذي يمارسه البعض في الهواء الطلق؟ أم بالفعل هناك استغباء للآخرين ومحاولة لإفهامهم أنهم غير مفهومين وبالتالي لن يحصلوا على شيء حتى المشاعر الدافئة..؟!
ظلت تلك الفتاة تشرح لي كيف أن من تحبه لا يريد أن يفهم ذلك.. ورغم أنها– حسبما روت لي- حاولت مراراً أن تستخدم له عبارة: إنت فاهمني.. وأرجوك أفهمني!!
ولكنه ظل كالشاويش “عبد العال” في مسرحية (ريا وسكينة) حين ظلت تسأله تلك التي وقعت في حبه: مين بغسل هدمتك؟ فيقول بغباء: آنيّ.. مين بمسح دمعتك؟ فيرد بغباء أكثر: آنيّ.. ولم يكن أمامها إلا أن تقول له أن من تحبه أول حرف من اسمه هو “عبد العال”.. وبعد ذلك كله لم يفهم وظن أنها تتحدث عن شخص آخر..!
غير أن المفاجأة كانت في نهاية المشهد المسرحي حين اعترف الشاويش “عبد العال” وبعد كل هذا الغباء أنه كان يفهمها جيداً ولكنه يريد أن يختبر مشاعرها.
أحلتُ هذه الحائرة الولهانة للنص المسرحي وقلت لها: ربما كان هذا الشخص يدعي عدم الفهم.. فأقسمت لي إنه بالفعل لا يفهم حبها له.
وهنا قلت لها: ليس عيباً إذاً أن تصارحيه بحقيقة مشاعرك.. ألم يقل البعض إنه (لا كرامة في الحب) و (لا كبرياء في العواطف)؟ أم أن الأنثى لا يمكن أن تجهر وتبدأ بإعلان حبها للرجل؟!
صمتت.. ورأيت الحياء بادياً على وجهها.. اكتشفت أنني ربما كنت قاسياً عليها.. وقلت دون أن أشعر: أنا آسف.. أرجوك أفهميني!! وهنا ابتسمت وقالت لي: عدنا لـ(أفهمني) مرة أخرى.. لا عليك.. سأفكر في مصارحته.. ولكن لن أعدك بذلك!! فاهمني!!