في "بربر"
} في الوقت الذي تشغل فيه الصراعات السياسية النخب الحاكمة والمعارضة وتخيم صراعات الحاكمين على مناخات الخرطوم وتصبح الصحافة الورقية والإلكترونية ملعباً للعراك اللفظي وأداة يستخدمها الفرقاء لتحقيق أغراضهم.. وفي مناخات يبسط فيها الإحباط ذراعيه.. إلا أن هناك إشراقات في النفق المظلم وإنجازات عملية في زمان الإخفاق والفشل. أمس كان الذهب والتعدين حاضراً في ولاية نهر النيل التي قدمت نفسها في ثياب بهية وهي تبدأ إنتاج الذهب من خلال التقانة والحداثة، بدلاً من التنقيب الأهلي العشوائي الذي يهدد صحة الإنسان والبيئة.
} (19) مليون دولار أمريكي أنفقها رأس المال الوطني لتطوير تعدين الذهب، من خلال شراكة بين رجلين أحدهما إسلامي عربي من نهر النيل “حسين حاج علي” وآخر مسيحي قبطي “ريموت بيطار”، ليلتقي المال لصناعة المستقبل، فالاستثمار لا يعرف عقيدة دينية ولا انتماء أثنياً، وقد أصبحت نهر النيل اليوم ملاذاً لفقراء السودان من الباحثين عن لقمة العيش الشريفة والمتطلعين لغد أفضل.
} قبل أن تحصد شركة (صحاري) ثمرات ما زرعته في الأرض الصحراوية القاحلة، اختارت بطوعها واختيارها أن تضع عشرة كليوجرامات من الذهب في خزانة الدولة، تسلمها الدكتور “الحاج آدم يوسف” نائب رئيس الجمهورية تبرعاً خيرياً، وجد الثناء والتقدير من القيادة السياسية والتنفيذية كما جاء على لسان الوزير “كمال عبد اللطيف”، ومن بعده الدكتور “الحاج آدم يوسف”.. ليخرج من جوف صحراء بيوضة القاحلة الجافة معدن الذهب النفيس.. ويقول الوزير “كمال” حديثاً ينبغي الإشارة إليه وقراءة ما بين حروفه.. إن المعادن في صحراء بيوضة أبخسها الذهب.. أما أغلى ما فيها فقد سكت الوزير ولم يفصح عنه!!
} إذا كان القطاع الخاص الوطني قد ولج ساحة التعدين عن الذهب، فإن ولاية نهر النيل التي أصبحت مصدراً لتغذية خزانة السودان بعائدات الذهب والأسمنت، تحصد ثمرة الاستقرار الأمني والتصالح الاجتماعي والقيادات السياسية التي لم تستثمر في خلافات المجتمعات المحلية من أجل مكاسب بخسة، مثلما يحدث في بعض ولايات السودان التي تهدر ما يعتمد لها من مال في الصرف على الأمن ودرء الصراعات القبلية، ولكن نهر النيل تمثل نموذجاً ينبغي أن يحتذي به الآخرون في سعة الأفق والرؤية الثاقبة والتصالح مع النفس والإقبال على الإنتاج والاستثمار، لتصبح ولاية جاذبة لرأس المال الوطني والأجنبي، وجاذبة في ذات الوقت للسودانيين الآخرين الذين شغلوا أنفسهم بالصراعات والتكالب على المناصب.. بينما نهر النيل يقودها شباب وشيوخ أدركوا أن الاقتصاد والاستثمار طريق يفضي لرقي الشعوب وتقدمها.
} يشعر المرء في نهر النيل بالفخر والزهو، بينما يشعر بالأسى والحزن وولايات مثل كردفان ودارفور تهدر مالها وثرواتها، وقبل ذلك تهدر أرواح شبابها، في صراعات مهلكة وتمردات تهدم ولا تبني.. تقتل ولا تحيي.. تنهب ولا تعطي.. وتصرخ صباح مساء عن ظلمات حاقت بها، بينما هم يظلمون أنفسهم بما تصنع أيديهم.
} إن شباب السودان الذين في الصحاري القاحلة ينقبون عن المعادن ويكتبون بعرق جبينهم سفر مستقبل البلاد.. جديرون بالاحتفاء والتقدير. والمصارف التي بذلت مالها لتمويل صناعة الذهب بأكثر من (10) ملايين دولار من بنك المال المتحد و(9) ملايين دولار من بنك النيلين.. مصارف جديرة بالتقدير لإسهامها في الاقتصاد الوطني، بديلاً عن تقاليد المصارف الأخرى في التمويل الاستهلاكي!!