غرفة كنترول !!
(1)
“انتهى الزمن.. ضع القلم”.. عبارة شهيرة تقال في غرف الامتحانات للطلاب ويتم بعدها جمع الأوراق.. وغالباً ما ينتهي الزمن، وهناك إجابة لم تكتمل.. أو بقية حرف لكلمة.. وربما نقطة أو علامة.. البعض يجاسر فيستمر في الإمساك بالقلم والكتابة لثوانٍ معدودات محاولاً إتمام إجابته، وغالباً ما تنتهي المغامرة بالفشل، فيخرج متحسراً.. غير أن من يقومون بالتصحيح لاحقاً غالباً ما يكتشفون في “غرفة الكنترول” كم أجهض الزمن من إجابات لم يسعفها الوقت.. بعضهم يبتسم وهو يتصيد تلك النواقص.. وبعضهم يمارس ذكاءه الخاص في إكمال المجزوء وإتمام الشوارد.. فالمراقبون يتسلون أيضاً ..لكن دونما رأفة!!
(2)
لم يتبقَّ الكثير من الوقت لإجراء الانتخابات وفق الموعد المحدد لها.. ورغم ذلك لا توجد أية مؤشرات واضحة تعكس الاستعداد لهذه الانتخابات..الأحزاب في الموالاة والمعارضة ما زالت تمارس الثرثرة المجانية والتصريحات المضادة.. ما زال “الكيد السياسي” هو الذي يحكم المشهد..الحكومة تقلل من حجم معارضيها.. ومن يعارضونها متفائلون بإسقاطها.. وجهود إنجاز الدستور تتبعثر هنا وهناك.. والحديث عن حوار وطني جامع ينتهي في كل مرة بعناوين بارزة في الصحف تؤكد أن الهوة ما زالت شاسعة بين الحكومة والمعارضة.. بل وبين كل حزب وحزب.. وتيار وتيار داخل الحزب الواحد.. كل هذه الأحزاب قد تجد نفسها أمام حرج كبير لو جاء الموعد المضروب للانتخابات وفشلت “الممارسة الديمقراطية” بسبب المقاطعة.. أو بسبب دخول الحزب الحاكم بمفرده إلى حلبة المنافسة.. حينها ستعلن “غرف الكنترول” أنه لم ينجح أحد !!
(3)
المذيعون والمذيعات كثيراً ما يقولون عباراتهم الشهيرة: “نعود إلى غرفة الكنترول ثم نواصل”..و”غرفة الكنترول” هي المكان المخصص لجلوس المخرج ومعاونيه في هندسة البث والصوت والإضاءة وجهاز عرض المواد المصاحبة للبرنامج، علاوة على المعدين والمنتجين ومستقبلي الهواتف.. هؤلاء جميعاً يتابعون المذيع أو المذيعة وضيوفهم من خلال نافذة زجاجية.. وأيضاً من خلال جهاز “الإيربيس” أو سماعة الأذن التي هي وسيلة التواصل الأساسية بين مقدم البرنامج والمخرج والمعد.. وهناك مخرجون أصواتهم عالية تتجاوز أحياناً أذن مقدم البرنامج إلى المشاهد الذي يجلس في بيته.. وكثيراً ما يتعرض هذا الجهاز السمعي لعطب أو تشويش يضطر معه مقدم البرنامج لوضع يده على أذنه متحسساً الجهاز الحساس عله يعود للعمل بالكفاءة المطلوبة.. أما إذا انقطع التوصل.. فيظل المخرج يطلق تعليماته إلى حد الصراخ.. دون أن يسمعه مقدم البرنامج.. فيضطر لاستخدام لغة الإشارة من خلال المصورين الذين يلوحون بطريقة مفهومة.. بعدها يكون “الفاصل”.. المنقذ الدائم للبرامج التي على الهواء.. أما الأوامر الملزمة عبر سماعة الأذن فهي الإعلان عن انتهاء الزمن.. وهو لا يحدث بطريقة “ضع القلم” وإنما بشكل تمهيدي .. فيخطر المذيع بأنه تبقى له من الزمن فقط خمس دقائق.. وهنا نلاحظ ارتفاع إيقاع المذيعين من أجل “لملمة” الحلقة ووضع النهاية الملائمة لها.. وفجأة يعلن المخرج من خلال الجهاز السمعي انتهاء الزمن.. فيضع المذيع قلمه ويسدل الستار على برنامجه.. لكن بعضهم يحاول استراق بعض الدقائق الإضافية لإتمام فكرة معينة.. تماماً مثلما يفعل “الممتحنون” وقد جاءهم صوت المراقب بأن ضعوا الأقلام.. انتهى الزمن!!
(4)
“فن إدارة الوقت”…نحتاجه كثيراً..ليس من أجل النجاح في الامتحانات أو الانتخابات أو حتى تقديم برامج لا يداهمها الزمن فقط .. وإنما أيضاً من أجل تحسين الإيقاع العام الذي يحكم مختلف أوجه الحياة.. فنحن للأسف نتعامل أحياناً مع الوقت بإهدار وتكاسل.. ومواعيدنا المضروبة دائماً ما تلتئم خارج سياقاتها المحددة على نحو جعل الناس يتفقون ضمناً أن موعد الساعة الثامنة يعني التاسعة، وهذا في أفضل الأحوال إن لم يمتد إلى العاشرة أو منتصف الظهيرة..
إهدار الوقت يمارسه كثيرون بامتياز.. ومهما حاولت “غرف الكنترول” ضبط ساعاتها.. لا أحد يكترث.. فكل شيء “ملحوق” و”سمحة المهلة”!!