الإصلاح (النقد والسباب)
جمعني لقاءٌ مطول وصبور بنفر من الشباب والإخوان الكرام الذين يرون أن لي موقفاً مناهضاً لمن يُسمَّون بالإصلاحيين وهو شبهة غير دقيقة، فما من عاقل وصاحب ضمير يرفض التصويب والتصحيح وردَّ الأمر إلى جادة سبيل الحق وأصيل المعاني، وطالما أن الآلات غض النظر عن مهارة صنع منشئها تعطب بمرور الزمان ويعتريها الوهن، فكذلك المشروعات السياسية وطموح القائمين عليها تفتر وتصاب بأمراض الانتهازية وشيخوخة الإنسان التي ترده إلى أن ألا يعلم بعد علم.
موقفي المركوز على ما يجري الآن – كمراقب- أنَّ الإصلاح في السودان والمؤتمر الوطني صار كل منتجه الشتم والسباب والازدراء بالآخر، وانظر لتصريحات الدكتور “غازي صلاح الدين” و”حسن عثمان رزق” أمس الأول عقب قرار تجميد عضويتهما، فقد تركا أصل المشكل، وانصرفا للعب الكرة على الأجسام بالقول بعدم أهلية مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” ولجنة المحاسبة مع جملة أقوال أخرى كلها تؤكد على عدم الروح الرياضية والديمقراطية في تقبل الأمر، وبلغة غلب عليها الهتر ولم تلازم نقض القرار في بنيته الإجرائية برده مثلاً إلى نصوص النظام الأساسي للمؤتمر الوطني ولائحة محاسبة العضوية، ولو أنهما ارتكزا في دفوعاتهما على ذلك لكان قولهما منطقياً، ولكنهما لا يفعلان.
إن إصلاحاً غايةُ نشاط أصحابه النقدُ والنقد والنقد والتضجر لا يلزمنا، المطلوب من الإصلاحيين هؤلاء تحديد مناط تصويباتهم، وهل المراجعة وإعادة البناء والمراجعة الإصلاحية تستهدف التأسيسات الكاملة التي قامت عليها الإنقاذ، مشروعها السياسي والاقتصادي والثقافي، طريقة إدارتها للحكم، حجم اعترافها بالآخر والاستعداد للتواصل معه، معايرة الشورى والحرية داخلها، الأوضاع التنظيمية وأفعال الحزب، كل هذه موضوعات وأجندة يحتاج القول بإصلاحها إلى تقديم أطروحة محددة ومرتبة تتجاوز عمل عصا التهريج بجارح القول، وأنَّ فلاناً كذا، وعِلاناً كذا، فهذا مسلك يرد العملية بكاملها لتكون محض صراع مجايلة وغيرة بين أبناء الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني.
نحن مع الإصلاح كضرورة حيوية ولازمة لمزيد من القوة للوطن، وتأميناً له من مهددات ماثلة وأخرى متوقعة، ونحن معه كذلك لرد المسيرة إلى جادة الطريق، وثمة أخطاء وجوانب قصور لا يمكن إنكارُها، ولكن هذا لا يتحقق بردود الأفعال التي تبدو وكأنها تنتصر للذات، بحيث يتحول المنشط برُمَّته إلى غبائن وثأرات شخصية، تتخذ شعارات براقة للظهور والعبور، بحيث تكون العملية الإصلاحية وأدواتها وخطابها نفسه جزءاً من عتاد المعركة التي إن انجلى غبارها ذات يوم لاكتشفنا ربما أنَّ الأمر كان محض غضبة للذات تم التنفيسُ عنها.
على الإصلاحيين طرح تصورات أكثر وضوحاً، ومخاطبة المشاكل التي يرون أنها أعطاباً مريعة بما يقدم للناس حلولاً وإجابات، ولكن التخندق في أسلوب التقليل من قيمة الشخصيات والمؤسسات ورميها بكل منقصة ومذمة لا يبدو سلوكاً لائقاً بصاحب مشروع إصلاحي، وقد ارتكب الدكتور “الترابي” في بدايات أيام المفاصلة ذات الخطأ، حينما شنَّ هجوماً فظاً وضارياً على الأشخاص والرموز، ولم يترك دائرة مدنية أو عسكرية في بناء الدولة إلا وتهكم منها باللسان والكتف والإشارة الموحية، فخسر الجميع.