الديوان

(الإنترنت) .. لغات ومفردات يفرضها الواقع على المجتمع

الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أصبحت مسيطرة على حياتنا لدرجة جعلت الجميع في حاجة لاتباع أساليب تساعدهم في التعامل مع بعضهم بعضاً وفق احتياجات الوقت وطريقة الكتابة وشكل التعبير، وطالما أن الشبكة أنشأت مجتمعاً افتراضياً كان أم واقعياً فبالضرورة أن يكون لهذا المجتمع حياته وطريقته الخاصة في الحوار وتبادل المعلومات.
تأثير ملحوظ للنت على عادة القراءة والكتابة
ومن هنا برزت مصطلحات (الإنترنت) الشبابية كلغة جديدة نشأت نتيجة التواصل عبر وسائل إلكترونية تقتضي الاختصار والسرعة، وتعكس روح الشباب بشفافية وبمفردات ذات تأثير حتى على مستوى الحكومات، ومنها ما يظل متداولاً بل ويقف جنباً مع لغتنا العربية، وبمحاذاة اللغة العلمية ولغة الإعلام المرئي والمكتوب.. إذن اصطفت معهن لغة جديدة تختلف في أنها تحمل بصمات الجميع دون تمييز. ونجد أن غرف الدردشة و(الشات) سيطر عليها طابع اللهو وأغلبها كلمات رومانسية في شكل شفرات متقطعة أعادت الناس إلى عهد التلغراف (وين يا ..، (ب) وحرف الباء هنا اختصار لكلمة (بحبك)، يا ترى هل الاختصار من كثرة تكراره أم من ماذا ؟ وبعد قليل تصعد رسالة إلى ظهر شاشة الهاتف: عسل …وهكذا .. كلمات مبسطة تضيع علينا حتى طعم الأحرف ومعنى الكلمات.
وكل ذلك حسب مواعين ثقافة الشباب المتلقي.. فربما تكون ذات تأثير خليجي أومصري (هاي .، مُزة ، .) أما مواقع مجموعات الونسة والنكات والمساطيل فأتت تحمل معها لغة (الراندوك) كـ(الكتمة) وهي ترمز للهجيج وشدة الطرب في الحفلات، ثم أصبحت بعد ترمز للغناء والهجيج، حنك الثانوي، وحنك النملة الما بعضي وهي كناية عن الحديث المقنع وبه بعض الكذب أو أسلوب (المخارجة)، وأيضاً كلمة (لووول) التي تستخدم الضحك لكنها تعني الضحك بصوت عالٍ Laughing Out Loud. (أوك) اختصار لكلمة (ok) والكثير الذي لا يسع المجال لذكره وعندما نقول شباب .. فهذا لأنهم الأكثر تأثراً وتغيراً بحكم وجودهم على مدارج النشأة وأبواب النضج.
أما المواقع ذات الطابع الاجتماعي والسياسي فأغلب مفرداتها ذات هتافية أشبه بلغة أركان الجامعات (مثل التغيير ، نساء الأسافير ، مناهضة النظام ..العنف اللفظي.. دنيا السايبر.. التشرنق، الصيرورة) أو المصطلحات الموغلة في العلمية مثل (الابستومولوجيا) ..وهي تعني علم المعرفة ، (الرومانطيقي ) وهو مذهب أدبي يهتم بالأخيلة والمشاعر، (الراديكالية) وهي كلمة إنجليزية بالعربي تعني أصل وجذور.
وهناك بعض المفردات تكون موجودة بيننا لكنها أتت إلى شبكة (الإنترنت) وهي أكثر قوة، وكلً هذا لا ينفي أن البعض يحمل معه لغة بيئته المحلية وأجمل ما في الأمر أنهم يكتبون بنفس طريقة حديث المعاملات اليومية، وهذا ما يعزز وجود اللغات المحلية ويعطيها دفعة للبقاء، وهناك كلمات أتت من اللغة الإنجليزية وتمت إحالتها للدارجة السودانية (قاعد منبز وين؟؟) (مفسكب أو مفسبك) (سي يو مان) (أشلخ لايك أو أجلخ لايك) g2g: أو gtg وهي تعني “إنني ذاهب الآن”. وأيضاً طريقة استبدال الأحرف العربية بأرقام مثل العين (3) والهمزة “2” والعين “3” مثلاً كلمة عيوني تكتب uoni 3 ، الحاء 7 وكلمة حوار “7war”وخرطوم تكتب 5r6om ، برب: وهي تعني Be Right Back وتعني سأعود. أما (ISA) فهي اختصار لعبارة إن شاء الله In Sha2a Allah
إذن يمكننا القول إن هذه اللغة أستطاعت أن تعبر عنهم بل، وهناك جرأة في تناول المسكوت عنه، ويطلقون العنان لمفرداتهم خصوصاً وأن البعض يدخلون بمسميات وهمية فيشعرون بالأمان رغم تطور القضاء على الجرائم الإلكترونية، لكن يبدو أن الشباب كتبوا على باب الأسافير (عفوأ هذي دنيانا) .. فحتى اللصوص لديهم لغة خاصة وتكون بين فئة مهنية معينة لكن لغة (الإنترنت) تعبر عن حياة أخرى وشوارع ومنازل يرتادها المتصفحون بين المواقع وغرف الدردشة باعتبارها وسيلة اتصال سريعة الإيقاع قد واكبتها محاولات لفرض عدد من المفردات السريعة والمختصرات للتعامل بين الشباب وتظل التكهنات تطال هذي الفئات المرتادة.
ولمزيد من التقصي لجأت (المجهر) للباحث الاجتماعي “محمد عمر فضل” فبدأ قائلاً: إن لغة (الإنترنت) هي وسيلة طبيعية للتعبير بين مرتاديه فغالباً ما يكون لدى الشباب صغير السن حماسة وموضة وأهداف مستقلة ذات طبيعة فريدة تجعلهم يحتاجون إلى طريقة جديدة للتعبير عن أفكارهم وأنفسهم لذلك قاموا بإبداع مصطلحات تم تداولها، وقد عكست جزءاً كبيراً من الواقع الذي يعيشه هولاء الشباب في المجتمع السوداني، وهو أمر طبيعي يتغير بين مدة وأخرى، ويعكس التمرد الاجتماعي وهي بذرة نواة للتغير على جميع مناحي الحياة.. وربما فرصة لينتبه لهم الكبار بصورة أخرى .. ومن الذي قال إن (الإنترنت) به شباب فقط.. بل الشبكة تضم جميع الإعمار، لكن يسيطر عليها الشباب نسبةً لسرعة التقاطهم الزائدة في تلقي كل جديد والكثير من العوامل الاجتماعية وهذا زمنهم .
واستطرد أستاذ “محمد عمر” قائلاً: إن الكتابة تتغير لأنها تحتاج لأختصار بل وطريقة تعبير مختلفة تلائم أدوات التواصل خلافاً إلى أنها لغة خاصة لا يعرفها إلا من يتداخل فإن لكل مجموعة وطائفة لغتها الخاصة وربما تكون نوع من التمرد على النظام الاجتماعي (فلغة الحوار مثلاً تختلف من منتدى لآخر التي تنشأ نتيجة تمازج طباعهم مع بعضهم البعض لذلك ابتدعوا لوناً جديداً من الشفرات لا يستطيع فك رموزها غيرهم وربما يكون هروباً.. أو إحساساً بالتميز.
واختتم أستاذ “محمد” قوله إن حرية الرأي انعكست في التعبير عن الواقع بصورة مغايرة بل وطالت تلك التعابير صحافتنا الورقية والأجهزة الإعلامية وغيرت الكثير من النمطية التي كانت سائدة في التناول.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية