انهيار صحي!!
} الصدف دائماً ما تكشف لنا واقع الأشياء المجملة قصداً، التي يسعي البعض في تصويرها بصوره خيالية لا علاقة لها بأرض الواقع، في إطار سياسة التزيين القبيح والتقديم المخل والتبصير الأجوف، الذي لا يخشى الله ولا يخاف عقابه؛ لذلك فإن القدرة الربانية تظل حاضرة توضح وتبين وتعطي الصورة الحقيقية في كسر من الثانية لينهار الادعاء الأرعن وتنهار معه كل الاقنعة.
} وشقيقتي وحبيبة قلبي “مودة” تصاب قدراً يوم (الجمعة) الماضي في حادث حركة، كاد يودي بحياتها، لولا لطف الرب والعناية الإلهية، لنهرع جميعنا إلى مكان الحادث ونتنقل بين المستشفيات المنتشرة في الخرطوم ونترجى أصحاب القلوب الرحيمة للكشف عليها وتوضيح الحالة من خلال الصورة المقطعية التي تسمى هكذا حسب المصطلحات العلمية والطبية، في ظل ممانعة وتعلل أجوف ولا مبالاة لا مثيل لها، تبين أن الأوضاع الصحية في طريقها للانهيار بسبب بعض الكوادر المنتمية للمؤسسة الكبيرة.
} ثلاث مستشفيات تعتذر عن قبول الحالة بحجة أن (الجمعة) يوم إجازة وأن جهاز الصور المقطعية مربوط بأيام محددة، لذلك فإن المريض أمام خيارين، إما أن يركز في أن يستقبل المرض والقدر خلال الست أيام من الأسبوع عدا (الجمعة) أو أن يتجه إلى المستشفيات الخاصة ويدفع (دم قلبه) ليمني نفسه بالشفاء. والغريب في الموضوع أن بعض المستشفيات ذاتها عبارة عن غرف مبنية حديثاً (تعشعش) فيها الأوساخ وتمتلئ حيطانها بالدموم والأوساخ، وتتجول فيها القطط بحرية، ويمارس الذباب هوايته المفضلة في منتصف الليل ليفضح ادعاءات وزير الصحة الذي قال إن الذباب لا ينقل الأمراض، ومن قبله الناطق باسم الوزارة ذاتها.
} مستشفيات مكتظة بالمرضى وأطباء بالعدد لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين، أي أنهم في مرحلة التدريب، وغياب تام للاختصاصيين، والمحصلة أوجاع وآهات والآلام ينفطر لها القلب، وتدمع لها الأعين، ما بين طفل رضيع يئن، ورجل كبير يتوجع حد الموت، والأهالي يمارسون الهرولة ما بين الصيدليات والرقابة الذاتية على المريض، والمحصلة لا شيء، والكل في ذات الحالة التي وصل بها إلى المستشفى.
} الحقيقة المجردة في القضية ككل أن كثيراً من المستشفيات الحكومية فاقدة لكل المعطيات التي تساعد وتساهم في العلاج، خاصة وأن العقاقير الطبية والأدوية المختلفة غير متاحة للمريض، والأهالي مطالبون بشراء كل المطلوبات، من الشاش مروراً بالحقن والدربات التي رأيتها تصرف هكذا دون تردد، وكأن كل المتواجدين مصابون بذات المرض.
} التشخيص داخل الكثير من المستشفيات يعتمد بصوره كبيرة على التقديرات، لأن أطباء الامتياز يلجأون (للمخارجة) حتى يتمكنوا من تغطية كل المتواجدين في ساحة المستشفى، ومن ثم فإن على المتضرر الذهاب إلى المستشفيات الخاصة للعلاج بالكاش الذي يقلل النقاش.
} في أوروبا، وكثير من الدول العربية، حتى في مصر القريبة، يتم صرف الدواء بكامله للمواطن مجاناً، وتستقبل المستشفيات الحكومية الحالات المختلفة حتى العمليات، دون أن يدفع المريض (جنيهاً) واحداً؛ لأن الحكومات قررت أن تكون الصحة الركيزة الأساسية في الدولة مجانية، احتراماً لهذا المواطن المغلوب على أمره، ولكن في السودان وزير الصحة الولائي مستثمر كبير في المجال الصحي، فهل هو حريص على تجفيف المستشفيات من أجل البحث عن الأرباح الذاتية؟!
} في كل يوم يتأكد لنا أن إنجازات وزير الصحة صفرٌ كبيرٌ، والدليل هذا التدهور الذي تشهده المستشفيات الحكومية في المركز، بعيداً عن الولايات، لأن المستشفيات في الأقاليم قد بينت أن دخول المستشفى يعني تحرير شهادة الوفاة لا محالة.