أخبار

رحل الحنين!!

} سلام على “حافظ” في مرقده الأبدي، والقبر الأبكم يضم إليه رجلاً والرجال الجد قليل. سلام على ملاذ الضيف وحضن اليتيم ومغيث الملهوف والصديق الصدوق. نعاه الناعي يوم (الجمعة) الماضي، ونحن على سفر من السودان إلى بلاد ترامت وراء بلاد.
هفونا إلى داره الموحشة رغم كثافة الحضور، وبين الوحشة والحضور مساحة للتلاقي، والناس في جذع ويقين بأن “حافظ” قد مات في النصف الأخير من ليل (الخميس) وفي الربع الأخير للمسافة بين الخرطوم وكوستي، والموت يختار. وفي بلادي يتخطف الموت الأخيار بغتة دون نظرة وداع، وتلسعنا سياط الحزن الذي أقام بيننا، وتسربت ساعات الفرح وانكسر عودها (طق).
} “حافظ محمد سوار”.. تبكيك الجوامع والقرى والدياجر والمدن وقاعات الدرس، الفقراء والمساكين، العسكر والمزارعون، طلاب الخلاوى والرياض، والمزارعون والفقراء ملح الأرض وأوتاد الجبال الشامخات. ومالنا لا نبكي والحرب قد ألقت بظلالها علينا منذ عامين ونيف يحصد الموت النجوم الزواهر. في مثل هذه الأيام من العام الماضي غاب “مكي بلايل” في حادثة الطائرة المشؤومة وعلى يمينه البرلماني “حامد الأغبش” وعلى شماله الوزير “غازي الصادق” وثلة من الطيبين من أهل بلادي.. “عبد الحي الربيع” لا تزال صورته يمر طيفها فتزداد أوجاعنا وآلامنا، واغتالت أيادينا بدم بارد “بلندية” ولم يغسل عبد “العزيز الحلو” عاره حتى اليوم، ولم تحدثه نفسه بأن لـ “بلندية” أختاً وشقيقة خرجا من رحم واحد وهي بالقرب منه الآن، تهتف “زينب بلندية” مع الهاتفين من قطاع الشمال (وييي) وشقيقها “خالد” في قبره بفعل زمرة قطاع الشمال نفسه! فقدت كردفان في صمت وهيبة “أحمد التجاني الشايب” فيبست أوراق ليمون بارا في منتصف الخريف، وصمت بلبلها المغرد رغم دعاش المطر، ولا تزال أبوجبيهة تبحث عن من (يقش) دمعتها بعد رحيل الأمير “عبد الرحمن كمبال”. وفقدت الدبيبات زيتها وماءها، والحوازمة (عجولهم رضعن) يوم أن مات “أبوزيد” وسراعاً غادر من بعده “حافظ محمد سوار” الدنيا في حادث حركة مثل مئات الحوادث في بلادنا، فنحن نموت بسقوط طائرات (الأنتنوف) الروسية القديمة المتهالكة، ونموت بحوادث سيارات (التيويوتا) اليابانية، ولا أحد يملك الإجابة العيب فينا أم في الدواب التي اخترناها بمحض الإرادة أو بغير ذلك. فالطائرات الروسية العجوز والسيارات اليابانية الأكثر شهرة تحصد الأرواح عشية وضحاها، ونحن عن بحث السباب غافلون.
} يوم رحيل “حافظ سوار” غاب نجم النطح والحر علينا، اشتد صيفنا، قصر ليله، ونهاره امتد.. ذرفت كوستي وربك والجبلين وتندلتي والقطينة والجزيرة أبا دموع المدن، وهي تقول: “حافظ سوار” منا نحن أهل بحر أبيض وكادقلي وحي الملكية وحجر النار والكويك ودلامي، وهيبان تكتسي بالرماد وتتوشح الأسى ويعتصر قلبهما الألم، وهناك من بلدات دارفور وصوت “القوني التجاني” يقرأ القرآن في هجعة الليل على منهج سيدي “أحمد التجاني” راجل فاس يرفع الأكف ويقرأ صلاة الفاتح على روح حافظ القرآن وخطيب المنابر والساحات منذ بواكير الصبا وحتى يوم ودعناه الوداع الأخير في مقابر “أحمد شرفي” وفي النفس انقباضة والقلب ملتاع.. وإنا لفراقك يا “حافظ” لجد حزانى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية