أوقفوا الحرب
{ أعلن قطاع الشمال موقفاً سياسياً، اختاره بدقة متناهية، بوقف إطلاق النار لمدة شهرٍ.. في وقت أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اختيار مبعوثها الجديد للسودان وجنوب السودان قبل زيارة “سلفاكير ميارديت” بـ (24) ساعة، وأثناء التفاوض المباشر بين الحكومة والأمم المتحدة، بشأن تطعيم الأطفال في مناطق النزاعات. البيان الإيجابي لقطاع الشمال تمثل في أنه صدر من متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان فقط، ولم يشمل متمردي الجبهة الثورية المتواجدين يوم صدور البيان لوحدهم، في العاصمة التنزانية (أروشا)، يفاوضون الوسيط المشترك حول كيفية انضمامهم لمنبر الدوحة.
{ بلغة وطريقة الدكتور “عبد اللطيف البوني” الخاصة جداً، يبدو (الفراق حاصل) بين مكونات الجبهة الثورية، (ما للنوبة للنوبة) و(ما للزغاوة للزغاوة).. وتلك هي رغبة الحكومة في (فرز الكيمان).. مع أن كثيراً من المشفقين على السودان و(المتعظين) من تجربة تجزئة الحركات المسلحة وتشرذمها، يساندون مبدأ الحل الشامل.. وأن (تتجمع) كل الحركات التي تحمل السلاح من دارفور حتى دار (فازوغلي)، وتساوم المركز في ما تريد، لإنهاء النزاع الذي تطاول.. ولكن حكومتنا بلغة السوق، نشأت وتعلمت وخبرت تجارة القطاعي، وتبغض جداً البيع والشراء بالجملة.
{ وقف إطلاق النار لمدة شهر، قرار ينبغي الترحيب به ودعمه، وتشجيع “مالك عقار” لتمديده لشهر أو شهرين، على غرار تمديد انسياب نفط الجنوب عبر أنابيب الشمال.. ثلاثون يوماً من وقف الحرب إنجاز بالنسبة للذين أصبحت مناطقهم مسرحاً للصراع المسلح، وخلال الشهر تحصد البنادق عدداً كبيراً من أبناء المنطقة.. هنا وهناك.. وفي شهر أبريل الماضي وتحديداً يوم (17)، هجمت قوات التمرد على (الدندرو)، وقتلت (34) من المدنيين، وفي يوم (18) هجمت على منطقة بجحاية، وقتلت (54) مواطناً منهم (30) امرأة، وتقديرات فرسان (الرواوقة) الذين واجهوا الهجمات، أنهم قتلوا في المعركتين (125) من المتمردين.. وفي شهر مايو ويونيو مات أضعاف هذه الأرقام في العمليات الجارية، فكيف لا نهلل ونفرح نحن (الواطين) جمرة الحرب، ويغضب ويثور ويرفض ويشكك المستفيدون من استمرار الحرب، أحزاب الغفلة التي تتكسب من الدم وتكتنز المال من سفح الأرواح.
{ والي جنوب كردفان “آدم الفكي”، غرد لوحده عندما دعا لحوار مع حاملي السلاح، غداة يوم تعيينه في المنصب الرفيع.. واستنكر دعاة الحرب ونافخو كيرها أن تصدر الدعوة من الوالي الجديد جهراً أو علناً، ورحب البرلمان على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن، بإعلان الحركة الشعبية وقف إطلاق النار، وهو عين ما ذهب إليه السيد “محمد مركزو كوكو” عضو فريق التفاوض.. لكن البيان الرسمي الصادر من العقيد “الصوارمي خالد سعد”، اعتبر البيان مزايدة لا معنى لها.. وصحيح أن السيد “عرمان” قال إن وقف إطلاق النار أملته مناخات الفيضانات والسيول.. وإن كانت دوافع الحركة (تكتيكية) أو غير ذلك فأن يتوقف زهق الأرواح لمدة (30) يوماً تلك بادرة طيبة ينبغي دعمها وتعزيزها.. لا رفضها من حيث المبدأ.. لقد رفعت حكومتنا كثيراً من (اللاءات)، ولم تحصد إلا مزيداً من العدوان، فمتى نتعلم من دروس الأمس أن لا ولا ولا.. باتت لا قيمة لها، إن لم تُرد لأعناقنا غداً؟!