أخبار

خازوق أبيي (1)

{ كلما اقتربت العلاقة بين السودان وجنوب السودان للاستقامة على جادة المصالح المشتركة والإخاء الأزلي، الذي لا تنفصم عراه مهما تباعدت المسافات بين القيادات، بزرت للسطح أزمة هددت السلام بقذائف الحرب.. وكلما تجاوزت الأطراف عقبة أطلت أخرى!! والخرطوم وجوبا (تتأبطان) الملفات الأمنية والعسكرية، وترهنان المستقبل وعلاقة الشعوب ومصالحها بإرادة القيادتين العسكريتين في الدولتين.. بعد أن أحالتا الإرادة السياسية كتابع للإرادة العسكرية، وتلك هي ثغرة الضعف التي تعاني منها الدولتان.
{ برزت قضية “أبيي” فجأة قبل زيارة “سلفاكير” المرتقبة للخرطوم بعد أربعة أيام من الآن (لتعكير) صفو المناخ العام، بعد ما شهدت الفترة الماضية حالة من السكون وانسياب المشاعر الحميمة بين الدولتين على خلفية ما جرى في الجنوب من تغييرات في هيكل بنية الدولة بإقصاء “سلفاكير” لبضع من صقور حكومته وحزبه، واستقبال الخرطوم للتطور الجنوبي (الذاتي) بعربون انسياب البترول وإرجاء إغلاق أنبوب النفط لمهلة جديدة تنتهي في الأسبوع الأول من الشهر القادم وقابلة للتجديد. بل مؤكدٌ تجديد إرجاء إغلاق الأنبوب.. بعد أن تذوقت الحكومتان حلاوة ثمرة البترول وعادت الرضاعة من ثدي حجبه عن التوأمين “حسن” و”حسين” (سيتان) الأم المحزوم بشدة حتى سال اللبن وبلله.
{ بروز قضية” أبيي” في الجنوب بصورة مفاجئة والحديث عن استفتاء بعد شهر وبضعة أيام من الآن (حصرياً) على دينكا نقوك.. تقف من ورائه قيادات تم إقصاؤها من المواقع الدستورية، وأحالها “سلفاكير” لرصيف الانتظار، وبالتالي الرسالة حول “أبيي” موجهة في الأساس للرئيس “سلفاكير ميارديت”.. ويمثل أبناء “أبيي” في الجنوب ثقلاً نوعياً تسعى أطراف السلطة المتصارعة لكسبه. وقد أطل تحالف بين أبناء “أبيي” والدكتور “رياك مشار” منذ منتصف الفترة الانتقالية.. حيث قاد “مشار” وفد جنوب السودان لمحكمة التحكيم الدائم في “لاهاي”، وبدا أكثر حماساً لتطبيق قرارات المحكمة من “دينق ألور” و”إدوارد لينو”.. ويعتبر د. “مشار” “أبيي” و”هجليج” مناطق جنوبية، ووقوفه مع أبناء “أبيي” في محنتهم بمثابة عربون تحالف ليساندوه في معركة “هجليج” القادمة في سياق الخلافات بين الدولتين عن ترسيم الحدود.. ولكن الرئيس “سلفاكير ميارديت” بدت عليه (البرغماتية) وهو يقود دولة على حافة الانهيار الاقتصادي، ولا تملك مقومات خوض حروب جديدة، قد تعصف به وكرسيه من السلطة.
{ والمشهد الجنوبي المضطرب يقابله في الشمال تهديد علني من المسيرية بخوض حرب في “أبيي” تسيل فيها الدماء مثل ماء خريف هذا العام في شوارع شرق النيل.. ويتولى الأمير “مختار بابو نمر”، الزعيم التاريخي للمسيرية وأكبر بيوتها الحاكمة، قيادة حملة التهديد والوعيد لتخويف الخرطوم من تقديم أية تنازلات، أو حتى القبول بقرارات محكمة التحكيم الدائم التي حددت جغرافية “أبيي”.. وتخويف الجنوبيين من مصير شديد البأس ينتظرهم حال إجراء الاستفتاء في أكتوبر القادم.. ويتصاعد الدخان في فصل الخريف من “جوبا” و”الخرطوم”، وتخضع الآن كل التفاهمات المعلنة والمستترة (لابتزاز) أبناء “أبيي” جنوباً وشمالاً (دينكا ومسيرية)، لتبقى العلاقة رهينة بما تجود به السحب المتراكمة في فضاء الدولتين.. ويصبح صنبور النفط مهدداً مرة أخرى بالإغلاق بسبب “أبيي” والاستفتاء!!
نواصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية