الحصاد المر!
{ تحصد الحكومة اليوم في دارفور ثمار ما زرعته في السنوات الماضية، فالنزاعات القبلية والفتن التي تمددت من جبل عامر حتى الضعين ومن كتيلة وأم دخن حتى عديلة حصاد لسياسات خاطئة، فقد انتشر السلاح الذي يهلك الأنفس ويحصد آلاف الأرواح .. وعربات (اللاندكروزر) المحمولة فوقها مدافع الدوشكا التي حصدت أرواح الأهالي في جبل عامر وفي أم دخن ودار السلام لم تهبط من السماء! فالتمرد متورط في كل الأحداث والصراعات و(الجنجويد) متورطون أيضاً في الموت والمليشيات القبلية هي من يزرع الموت ويحصد الدم!!.
{ في بدايات التمرد كان الإعلام الغربي ومن أمامه إعلام الحركات المتمردة يتحدث عن تطهير عرقي (للزرقة) من قبل (العرب)، وأن الحرب التي تدور في دارفور هي بين القبائل الأفريقية والقبائل العربية، وذرف الغرب الدموع سخية على حرب مدعاة.. حتى نشبت الآن حروب قبلية حقيقية بين القبائل العربية العربية، وقد حصدت حرب الرزيقات الأبالة والبني حسين البقارة من الأرواح ما يفوق كل ضحايا النزاعات بين القبائل العربية والأفريقية منذ الثمانينيات!. بل السؤال متى نشبت حرب بين الزغاوة والعرب؟ والعرب والفور، والحديث عن (عرب) هو حديث مضلل وتعميمي، فالقبائل العربية في دارفور ليست على قلب رجل واحد.. وما بينها من خلافات وصراعات أعمق بكثير من خلافاتها مع القبائل (المدعاة) بالأفريقية، مع أن أفريقيا وطن يسع العرب وغير العرب!
{ وما يجري الآن من صراع دامٍ بين الرزيقات والمعاليا دوافعه حب السيطرة والتملك والاستئثار بالأرض، بعد أن قسمت الحكومة دارفور (لكونيتات) ولائية في ظاهرها تقسيم إداري وفي باطنها (محاصصات) قبلية، فأصبحت زالنجي ولاية غالب سكانها من الفور، والجنينة مسلاتية، والضعين رزيقية، وهي (محاصصات) تحصد الحكومة، بل إن شئت الدقة يحصد المجتمع، ثمارها المريرة كالحنظل، وما جرى في الأيام الماضية من صراع وموت في الضعين وعديلة غذته المطامح والغنائم السلطوية الفارغة، وأصبحت القيادات السياسية بدلاً من زراعة الخير يبذرون الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والمثقفون من أبناء دارفور يمتطون ظهور قبائلهم من أجل مكاسب خاصة، بعد أن أصبحت السلطة هي الطريق (الأقصر) للثروة والمال والجاه، فكسدت التجارة والصناعة وبخست الثروة الحيوانية، وأصبح السياسيون يهفون للمواقع هفو المرضعات على (الفطيم).
{ الاعتراف المر الذي جاء على لسان الرئيس “عمر البشير” يوم إفطار رئيس السلطة الانتقالية د.”التجاني سيسي” بأن السماء أمسكت ماءها بسبب الظلم والموت والدماء التي تسيل في السودان هو اعتراف يتسم بالشجاعة من الرجل الأول في الدولة، كان ينبغي أن يقابله اعتراف من قيادات دارفور بعبارة واحدة (نحن السبب)، ولكنهم صمتوا ونظروا إلى الأرض حاسرين رؤوسهم في الدنيا، ولكن أين يذهبون يوم الحساب؟ وكثير من الصراعات التي تؤدي لإزهاق الأرواح في دارفور مسكوت عن أسبابها، و(تعلق) أحياناً على رقبة التمرد درءاً لتحمل مسئولياتها، ولنضرب المثل بأحداث كبكابية خلال شهر رمضان المنصرم، التي راح ضحيتها (16) قتيلاً وأكثر من (40) جريحاً.. الأحداث من ورائها تجار مخدرات من القبائل العربية (باعوا) كمية من (البنقو) لتجار مخدرات من الفور، وحينما اختلفوا في كيفية السداد استنصر تجار (البنقو) من العرب بأهلهم وعشيرتهم واستنصر تجار (البنقو) من الفور بأهليهم ليموت الأبرياء في الشهر الحرام من أجل الحرام.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!