رمضان في الريف.. شكل يختلف عن العامة جذريا !!
ما أن تبدأ الشمس في الانحدار تدريجياً وتميل نحو الغروب من كل يوم خلال شهر رمضان المعظم، إلا وتجد الناس يتبارون في حركة نشطة ودؤوبة لا سيما أهالي الريف للخروج إلى الطرقات في شكل جماعات، ايذاناً بمقدم مواقيت ومواعيد إفطار رمضان، تلك اللحظات التي لطالما انتظروها لساعات طوال بعد أن اعتصرهم العطش وشئ من الجوع، بعد أن كانوا يكابدون كل في مكان عمله، من أجل أن تبتل العروق ويثبت الأجر بإذن الله، فتجد الأهالي يتسابقون إلى فعل الخيرات وإلى الكرم الفياض، ولما لا طالما أن رمضان (يأتي بخيره ورزقه) من عند الله، وكل يحشد أغلى ما يملك من خيرات من مآكل ومشرب للظهور بمظهر يليق بالشهر الكريم، رغم ضيق ذات اليد والظروف الاقتصادية الطاحنة خلال الفترة الأخيرة، لكن عساهم يدخرون تلك الأعمال إلى أيام قادمات وينالون بها الثواب والأجر من عند الله ذلك الأجر الذي تسبقهم إليه نيتهم الصادقة والخالصة لوجهه الكريم، فتجد الأطفال والصبيان يبادرون بتجهيز وإعداد أماكن الإفطار دون إذن من الكبار، كأنما قاعدة توارثوها من سالف الزمان.
وما أن يقترب موعد (الآذان) رويداً رويداً، إلا وتجد حركة الشباب وهم ينقلون المآكولات والطعام في حركة متزايدة في الطرقات، بينما تجد آخرون يرابطون خاصة على الطريق القومي والطرق الرئيسية داخل كل مدينة وقرية في الريف في حركة فُطروا وجُبلوا عليها، وفي مظهر اجتماعي لا تجد نظيره في الدول العربية والإسلامية، إنما هو مظهر سوداني خالص مرتبط بكرم السودانيين وطبائعهم خاصة في شهر رمضان المعظم.
ولم يجد (العم) “مختار” متعة تضاهي متعة خروجه إلى الشارع في الطريق القومي الخرطوم ـ مدني رغم أنه يمتلك كافتيريا في الطريق العام، لكنه يصر أيما إصرار أن يملأ عربته البوكس بالخيرات من العصائر والمشروبات والعصائد وغيرها من المطايب هو وأنجاله الذين يحملون (الفرشات) قبل وقت كافٍ إلى طريق الإسفلت ليغلقون الطريق أمام حركة السير، ويصرون على أصحاب البصات السياحية الذين يدركهم الوقت ويؤذن لهم الآذان في الطريق، يصرون ويمسكون بـ(عمامة) بين طرفي شارع الإسفلت ويغلقون بها الطريق حتى يضطر سائق البص السياحي أو الحافلة إلى الانصياع إلى هؤلاء الشباب الذين لا يريدون منى ولا أذى في تلك.
ورغم أن حركة العاصمة الخرطوم تضج بالملايين من الناس وحركة الأسواق تمور بآلاف البشر وعدد سكانها يفوق سكان الريف، إلا أن نكهة (رمضان) في الريف والقرى لا تضاهي مقارنة مع الإفطار في العاصمة الخرطوم، وكذلك إصرار أهل الريف على الكرم لا يقارن مع ما يحدث في العواصم، فتجد الناس في الحواضر لا يبالون كثيراً بالضيافة والكرم رغم أنهم يخرجون إلى الشوارع والطرقات مثلهم مثل غيرهم في الريف، ولكن بمقارنة بسيطة تجد أن مروءة أهل الريف فائقة حدها وكرمهم فياض، ولسان حال الذين يرابطون في الشوارع والطرق الرئيسية يقول إنه لابد أن نكرم ضيفنا وعابر السبيل.