أخبار

(10 سنين طويلة)..!!

{ عندما صعد “عبد الرحمن عبد الله” بلبل السودان المغرد على مسرح النقعة في الفاشر أبو زكريا يوم ليلة كردفان قبل يوم من عرس ختام (سيكافا) غنى المطرب الطروب (ضابط السجن) وهي من روائع ما خطه يراع الأستاذ “محمد حامد آدم” عام 1974م وحينها كان سجيناً في الأبيض متهماً بالمشاركة في انتفاضة شعبان 1973م وما ضابط السجن إلا الفريق (م) “الشيخ الريح السنهوري”.. أما الجميلة المستحيلة التي كانت تطل على الشاعر المسجون يوماً بعد الآخر فقد شاخت ورسم الدهر بصمته على خدودها الوردية ولا يذكرها الشاعر الآن إلا في خلوته وهو عاكف يقرأ التاريخ!!
{ قال “عبد الرحمن عبد الله” لجماهير الفاشر (ربنا ينجيكم من السجن) وما دري الرجل أن دارفور تمر عليها اليوم الذكرى العاشرة لنشوب الحرب، وولوجها السجن مصفدة اليدين، غارقة في دموعها.. تمسح جراح قلبها بيد، وتجرح صدرها بيد أخرى.. غنى بلبل السودان المغرد كما لم يغن في حياته العامرة من قبل، لإحساسه العميق بأن إنسان دارفور قد تغلغلت كلمات وألحان “عبد القادر سالم” و”حمد الريح” إلى وجدانه المحزون بآلام الحرب ومتاهاتها.. وعشر سنوات مضت منذ تمرد “أركو مناوي” و”عبد الله أبكر” على السلطة بسبب (ناقة) أو بعير.. فكيف تمددت الحرب الآن خلال هذه السنوات وتعددت أوجه الحركات المسلحة؟ وبعد أن كان التمرد في أطراف بلدة (كارتوي) على الحدود السودانية التشادية يقوده شباب خرجوا عن عصمة القبيلة وتقاليدها، أصبحت الحرب على أطراف النيل الأبيض وتحالف تمرد دارفور مع تمرد كردفان.. وبعد أن كان التمرد (توصم) به قبائل بعينها كالفور والزغاوة، أضحى اليوم من كل قبيلة في دارفور أو كردفان يوجد متمرد يحمل السلاح (عرباً وزرقة)!!
{ بعض الزملاء الصحافيين صوبوا انتقادات لتنظيم (سيكافا) في دارفور وكردفان، بحجة أن الأولوية في الصرف ينبغي أن توجه للحرب لا لكرة القدم، وأن ليالي النغم والغناء في فاشر السلطان و(كادوقلي الحجر) تمثل تبديداً للمال العام، لأن أولويات تلك المنطقة غير!! يا لها من فجيعة وقصر بصيرة وضعف رؤية.. هل كُتب على إنسان دارفور الحزن والرصاص والدم ورائحة البارود وكتب على آخرين من أهل السودان الفرح والسرور وغسل الدواخل بالطرب؟!
من حق حسناوات الفاشر اللائي خرجن من معسكر (أبو شوك) ومن حي (أولاد الريف) و(الزيادية) و(التيمانات) و(السيال) و(الرديف) معانقة “حمد الريح” وهو يردد (يا مريا) و”عبد القادر سالم” يجمّل ليل الفاشر القصير بالشدو الشفيف.. ومن مخاض المعاناة والرهق، حقق الطالب “عبد الناصر إسماعيل” المرتبة الأولى في امتحانات الشهادة السودانية بولاية شمال دارفور وحصل على نسبة (91,4%).. و”عبد الناصر” من سكان معسكر (أبو شوك) للنازحين.. حينما اندلعت الحرب قبل عشر سنوات كان عمره ثماني سنوات تلميذاً بمرحلة الأساس في مدرسة (كورما) قتل والده في الحرب ولم يجد من يمسح دمعته، وانضم إلى آلاف النازحين حول الفاشر، لم يجد في خيمة والدته إلا الفانوس القديم.. كدح وأسعفه نبوغه الفطري للمنافسة مع آخرين حالهم ليس كحاله.. ومن رحم المعاناة حقق نجاحاً يجعله أول السودان الحقيقي قياساً بظروفه الأسرية وواقع بلاده دارفور.. مثل هذه النماذج المضيئة إلا يحق لها أن تفرح؟؟ وما قيمة الفن إذا لم يضف مجرد ابتسامة على الشفاه الحزينة؟!
ودارفور في محنتها تمضي سنوات الحرب، ولا يعتبر الساسة والنخب والقيادات بدروس الجنوب الذي ذهب إلى سبيله دولة مستقلة بعد (21) عاماً من الحرب، وقبلها (10) سنوات.. فإلى أين تتجه حرب دارفور؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية