الكتابة على المركبات العامة ..كل إناء بما فيه ينضح
ظاهرة الكتابة على السيارات قديمة قدم صناعتها بحسب من استعنا بهم في تجميع العبارات المدموغة على خلفيات السيارات، وهي ليست ببعيدة عن مرمى ومد بصر الجميع، فأينما تلتفت تجدها أمامك، كأنها موضة استشرت، أو سنة يجوز إتباعها، فكل إنا بما فيه ينضح، حتى أن نفراً من الناس تحدث عن أهمية إجراء بحوث ودراسات تقصي عنها وعن كاتبيها، ووُصفت من قبل البعض بأنها ليست سوى تفريغ لما يجوس ويمور داخل كل منهم سواء صاحب المركبة أو سائقها، وإطلاق يده ومخيلته لرسم ما أراد التعبير عنه بالحروف.هذه الكتابات تثير جدلاً طريفاً حال قراءتها، وتجد حظها من النقاش على بساطتها. ولمعرفة ردود الأفعال تجاهها استطلعت (المجهر) عدداً من المواطنين، ثم استشهدت بنماذج متعددة ومتباينة عنها.
منلوج داخلي
ورغم أن هذه الكتابات جاء بعضها ركيكاً ومغلوطاً، إلا أن هناك ما كتب عن وعي وإدراك كمتنفس لما يحتشد بدواخلهم سواء كان سياسياً أو اجتماعياً وعاطفياً، أو ربما اتخذت كهواية. قال “عمار عبد المولى” إنه وأثناء قيادته مرَّ أمامهم لوري كُتب عليه (هييييييع ) فعلق رفيقي وقد انخرط في موجة من الضحك (الزول ده يكون جعلي، استفزته عبارة (السنجك) على ظهر لوري واحد شايقي)، أو كما كتب أحدهم وأظنه محسي (جعلي عينو حارة).
قال محدثي – (أحد الزملاء الصحفيين)- رفض ذكر اسمه- إن العبارات السياسية هي الأكثر حظوة، وهي تعبر عن الحراك الاجتماعي والسياسي بمثابة (منلوج داخلي)، مضيفاً تجاذبنا أطراف ذات الموضع خلال دردشة مسائية مع بعض الأصدقاء وقد اجتهد كل منهم في إفراغ ما بمعيته. وهذه نمازج منها: (يا المتعافي) (يا أوكامبو أوعى من الجانبو) (سبب أذايا الإخوان) (الله أكبر القدييييييييمة) كتبت على ظهر لوري، وعلى خلفية حافلة كتب (السودان قفل)، ولم تسلم حتى المحال التجارية من هذه العبارات، فكتب على لوحة بنشر (البنشر الإسلامي). وعقب محدثي لعل هذه وغيرها من عبارات تعبر عن ذكاء الشارع وسخريته بصورة غير مباشرة.
عبارات عاطفية وغزلية
وفي السياق تتبدى الحالة العاطفية للعيان واضحة، وكل يغني على ليلاه بطريقته الخاصة، إذ يدفعون بكل ما يعتمل في داخلهم من صدمات وغيرها، مثلاً ما كتب على ظهر ركشة (بس سببي انتي جرحتيني) وكتب على ظهر دفار بالبونت العريض (الخانت مرة بتخون (600) ألف مرة بالذات ننه ننه ننه) وجاء التعليق عليه بأنه (ممكون) للغاية، ومنها أيضاً (كلما نشتل الأفراح تجي الأقدار تمد إيدها وتسالمنا)، (الورد ما بجرح سقايو) و(حصاد الغربة) ، (أم العيال) ،(هدف حياتي طلع تسلل) على أن أطرفها ما ابتكرها هذا الموجوع (قرد يونسك ولا غزال يزازي بيك)، ومنها الغزلية مثل (زهرة جناين الغابة، عنبة، قشطة، الهجرس) . وعلق محدثي على هذا النوع من الكتابات بأنها تنم عن ذكاء وإلهام فطري لا يخلو من الطرافة والشجن في آن.
وأجمع كثيرون أن العبارات ذات المنحى الصوفي كانت هي التي تتسيد منصة الكتابات بحسبان إنها قد تقيهم الشرور. كما أنها تعكس ميولهم الصوفية وكل ينده شيخ طريقته ومنها (يا أبشر) (يا المصوبن)، (يا لحاق بعيد)، (يا الله تشوفنا)، (يا ابن إدريس من البوليس)، (ماذا يفعل الحاسد مع الرازق) وكذا (اكتساب الرزق تحت زحام الأقدام).
عاين ده كاتب شنو
فيما حملت بعض المركبات العامة سيما الركشة والأمجاد كتابات تعبر عن الأمنيات، فكتب صاحب أمجاد (بكرة تكبري تبقي جامبو)، وعلى ركشة (نفسي أقطع الكبري) و(مستثمر أجنبي)، وعبارة على ظهر كارو تستوقفك عنوة هي (المدير العام) .
ومن العبارات أيضاً أخرى ذات ميول رياضية، كهذا الذي يبدو أنه مهووس بفريق برشلونة كتب (ميسي يا اخ) (سيد البلد)، فضلاً عن أن بعضهم ولع بالتلاعب بالحروف كأن تبدأ بكلمة وتنتهي برسم، وكثيراً ما نشاهد (في الليلة ورسم للديك) و(طع ثم الرقم 100). على أن من العبارات ما كتبوها على هواهم وحسب أمزجتهم ولا يعرف مدلولها إلا من كتبها وربما كتبها (مزاج ساي) (كتلك) (الجنة بالمجان والنار بقروش) (أنا حايم والجلابي نايم)، (دايخ في عالم بايخ)، (عاين ده كاتب شنو)، (هسي بيلف). و(فقد أحدهم المنطق) بكتابته (رضا الوالدين أهم من رضا أمك وأبوك).