الإنقاذ .. جرد حساب جديد
{ تجاوزت الإنقاذ أمس الأول عقدين ويزيد من عمرها وحكمها البلاد، وتربع قياداتها بتمكن وحنكة وهدوء على دفة القيادة رغم العواصف والصواعق والمتاريس التي وضعت بعناية من أجل القضاء على الثورة، التي جاءت من قلب الشارع لخلاص العباد من الأزمات والمشاكل التي اكتنفت تفاصيل الاقتصاد والسياسة في تلك الفترة.
{ وضعت الإنقاذ إستراتيجية تستوعب كل المفاجآت والأحداث، واستعدت لكل الأوضاع واستندت على إيجابيات الحكومات السابقة واستفادت من أخطائها وسلبياتها؛ لذلك واصلت مسيرها رغم الأحداث العاصفة التي جاءت تباعاً من أجل إحداث خلل أمني وسياسي يطيح بالقائمين على أمر الحكم في البلاد. ولكن وبالنظر والتمعن في الخارطة السياسية العامة نجد أن إيجابيات الدولة قد طغت على سلبياتها، إن وضعنا في الاعتبار كل المشاكل والضغوط التي تعرض لها السودان في تلك الفترة، ابتداءً بخروج الشيخ “حسن الترابي” ومجموعته، وانفصال الجنوب، ومشاكل دارفور والجبهة الثورية وغيرها من الأحداث.
{ خرج الشيخ “الترابي” من تلاميذه، وظن أن الانهيار سيلازم الإنقاذ باعتبار أنه عرَّاب المجموعة وشيخها الأول، ولكن يبدو أن التلاميذ تمكنوا من قراءة الواقع بصورة جيدة، واستطاعوا أن يعيدوا تماسكهم من جديد، وأن يضعوا للبلاد خارطة جديدة تعينهم على إحداث تحولات كبيرة تمكنهم من المواصلة وتجاوز المرحلة، التي قال فيها الشيخ كلمته، وحاول من بعدها كشف المستور ونشر الغسيل على الملأ، إلا أن الحنكة التي تمتع بها التلاميذ مكنتهم من كسب ود المواطن السوداني، من خلال سياسات جديدة وأطروحات مختلفة تعضد المشوار وتؤيد الفكرة والمطروح؛ لذلك أضحى الشيخ ضمن المراحل الأولى في الحكم، وتجاوزه الزمن في حين غفلة، وعبرت المياه من تحت أقدامه معلنة عهداً جديداً خالياً من سياسة الفرد.
{ عقدان وأربع سنوات تربعت فيها الإنقاذ بثقة وحكمة ودبلوماسية في كثير من الأمور وثبات انفعالي وتحدٍّ وبطولات في مرات أخريات؛ مما جعل الميزان يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ولكن ما زال البعض يعتقد أن الإنقاذ قد مارست عمليات إقصاء لعدد من أبنائها، وقد طبقت مقولة “جورج جاك” المناضل الفرنسي حينما قال في مقصلة الإعدام (إن الثورة تأكل أبناءها) باعتبار أن هناك كثيراً من الأسماء قد دُفع بها خارج الحلبة، وأضحت ضمن مقاعد المتفرجين، وقُسمت من بعدها الإنقاذ إلى مجموعات تضم الحمائم والصقور؛ الأمر الذي حُسب عليها سلباً فمن لا خير في أهله لا خير فيه.
{ والمواطن البسيط يعتقد أن أولوياته ما زالت مهضومة، الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك جرد كامل لحساب الثورة منذ بداياتها وحتى الآن على أن تضع “محمد أحمد” ضمن الأولويات التي ينبغي أن يتم التعامل معها برؤية جديدة تعينها على الثبات، ومن ثم كشف الفساد ووضع حد للتجاوزات والمخالفات التي طفح بموجبها الكيل.
{ العلاقات الخارجية تحتاج إلى مراجعات وتعديلات خاصة مع الدول الغربية ذات الثقل الكبير حتى نحمي أنفسنا ونصنع تحالفات تعيننا على مواجهة التيارات المتقلبة، بالإضافة إلى فتح صفحة جديدة مع المعارضة الداخلية ومحاولة استيعاب المفيدين منها؛ حتى نتمكن من وضع رؤية واضحة ومستقبلية متجددة.
{ حسابات الإنقاذيين لا بد أن تبدأ في بداية هذا العام، وأن تحاول من خلال عامها الجديد أن ترضي كل الأطراف، وأن تستفيد من الأحداث التي تتحرك من حولها، وأن تمنح كل ذي حق حقه، لتضع أولى اللبنات لحكومة ناضجة وقومية ومتجددة تُكتب ضمن مدونات التاريخ.