5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟ الحلقة (2)
~ في بورتسودان وخلافاً لما كان في خرطوم قبل الحرب ، فإن قوة تأمين رئيس وأعضاء مجلس السيادة والقائدين جبريل ومناوي ، تستلم أجهزة الموبايل من الضيوف عند الاستقبال ، لتضعها على طاولة أو صندوق ، غير أنك في استقبال رئاسة جهاز المخابرات العامة تمر على بوابة إلكترونية ثم توضع اجهزة الهاتف المحمول في دواليب صغيرة مرقمة ، كما هو الحال في السفارة البريطانية بالخرطوم.
~ درجة الحراسة والتأمين عالية في مكتبي الرئيس البرهان والفريق أول كباشي ، لدرجة أن أحد حراس الكباشي الأشداء لحق بالمصور الفوتوغرافي فمسح بعض الصور التي التقطها معنا نائب القائد العام في حوش منزله الفسيح.
~ *في مكتب الفريق إبراهيم جابر*
~ أول مرة ألتقي عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق بحري مهندس إبراهيم جابر ، وكنت أسمع أنه يتمتع بقدرات وامكانيات خاصة تجعله مميزاً وسط العسكريين من دفعته ، وربما تتوفر لضباط البحرية خبرات ومعارف وعلوم ورحلات عبر البحار إلى دول العالم تجعل الضابط مختلفاً في ثقافته العامة عن ضباط الأفرع الأخرى في الجيش (المارينز في الجيش الأمريكي نموذجاً للتميز).
~ بدا لي الفريق جابر مرتباً ومنظماً ، يتحدث والتقارير إلى جواره ، يقرأ منها أحياناً ما يحتاجه من أرقام لتعضيد حجته ، خاصة عند الرد على سؤال الدكتورة بخيتة أمين عن شكوى منظمات الأمم المتحدة والعون الإنساني من عدم حصولها على أذونات الحركة لقوافل الإغاثة وتعويق حصول منسوبيها على تأشيرات دخول السودان ، فجاء رده بالأرقام والنسب المئوية لتصاديق وموافقات الحكومة ومنح التأشيرات فتراوحت النسبة بين 99.5% و 100% ، وقال بصراحة : (كذابين) ! نفس الكلمة استخدمها الفريق أول كباشي في وصف دعاوى المنظمات !
~ إتفق الفريق جابر ووزير المالية دكتور جبريل إبراهيم على أن الغذاء متوفر في السودان وليس هناك مجاعة كما تروج الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية ، ولكن مليشيا الدعم السريع تعوق وصول المواد الغذائية إلى المواطنين في الولايات التي تحتلها ، بل تنهب مخزون المزارعين من الذرة والقمح كما حدث في ولاية الجزيرة فضلاً عن نهبها مخازن برنامج الغذاء العالمي في مدني .
~ قال جابر إن الأمم المتحدة لم تستجب لطلب الحكومة بتوصيل شحنات من المواد الغذائية إلى كادوقلي والدلنج عبر طائرات المنظمة الدولية ، رغم التزام الحكومة بتوفير المواد الغذائية للسكان في جنوب كردفان ، وهذا يكشف سوء نوايا القائمين على العمل الإنساني في تلك المؤسسات الدولية.
~ الفريق جابر كان الأكثر هجوماً في حديثه على (آل دقلو) مقارنةً ببقية القادة ، عكس ما توقعتُ ، وذلك لحساسية وتعقيدات خلفيته القبلية حيث ينحدر من ذات عشيرة حميدتي وأخوانه ، ما جلب له الكثير من المشكلات.
~ جابر ، ولأول مرة ، وجه اتهاماً قوياً وصريحاً ومباشراً لقيادة الدعم السريع بفض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019 ، وأكد أن الوثائق والصور ومقاطع الفيديو تؤكد ذلك ، ولكن جهةً ما لم تكن تريد إظهار الحقيقة ، في إشارة إلى (الحرية والتغيير) التي تحالفت مع حميدتي منذ وقت مبكر بعد تغيير النظام السابق.
~ كان لافتاً أن الفريق جابر وعلى غير عادته – فهو شحيح الظهور في مقابلات مع أجهزة الإعلام – كان منفتحاً جداً معنا في هذا اللقاء وقال الكثير ، ولم يطلب عدم نشر أي معلومة ، وبدا قوياً واثقاً من نفسه غير مهتم بالحملات الإعلامية ضده ، وقد طلبتُ منه إجراء مقابلة خاصة لقناة القاهرة الإخبارية وأخرى لرئيس تحرير صحيفة الأخبار المصرية ، فوافق على الفور وحدد الموعد في اليوم التالي .. وقد كان.
~ *القائد والوزير دكتور جبريل إبراهيم*
~ من ملاحظاتي القديمة المتجددة أن قادة حركات الكفاح المسلح بصفة عامة ، يصرون على تعيين أعضاء الحركات وذوي القربى في مكاتبهم وحراساتهم ، بينما لا تجد هذا المظهر في مكاتب قادة الجيش ، غض النظر عن الجهة والقبيلة التي ينتمي لها جنرال الجيش ، فالفريق أول كباشي – مثلاً – مدير مكتبه وسكرتيره ومدير مراسمه وعدد من حراسه ليسوا من جبال النوبة ، ولذلك ظللنا نقول قبل وبعد الحرب أن القوات المسلحة السودانية مؤسسة قومية عريقة تجمع كل جهات وقبائل السودان دون فرز وخصوصية ، نرجو أن ينتبه الدكتور جبريل وهو رجل سياسي عريق والقائد مني أركو مناوي لهذه الملاحظة المهمة إذا أرادا أن يطرحا نفسيهما للشعب السوداني بمختلف جهاته وإثنياته.
~ دكتور جبريل بطبعه منفتح على الإعلام ، ويضع تقدير خاص للصحافة ويتواصل معها باستمرار، وهذه الصفة ميزت معظم الزعماء السياسيين في السودان من الإمام الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي – رحمهما الله – إلى رموز الاتحاديين والشيوعيين وبقية القوى السياسية.
~ قابلنا دكتور جبريل مرتين ، مرة ليلاً في بيته كوفد سوداني ، والثانية في مكتبه صباحاً بحضور رئيس تحرير الأخبار المصرية الدكتور أسامة السعيد.
~ الرجل يتمتع بشخصية قوية وواضحة ويجتهد من مقعده كوزير للمالية في أن يسيطر على حالة الاضطراب الاقتصادي الكبير الذي أحدثته الحرب ، فضرب الفقر الغالبية العظمى من السودانيين.
~ دكتور جبريل قال إن انتاج القمح زاد هذا العام وبلغ 750 ألف طن رغم ظروف الحرب ، وعزا ذلك إلى استخدام التقاوى المحسنة ، كما بلغ انتاج الذرة 3 ملايين و700 ألف طن، وهي أرقام أكدتها (الفاو) .
غير أن الوزير أشار إلى أن المواطن لم يعد قادراً على شراء المواد الغذائية بسبب حالة الإفقار التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع بنهبها كل مدخرات وممتلكات المواطنين.
~ وتساءل جبريل : إذا كانوا جادين في توصيل الغذاء للسودانيين في الداخل ويضغطون لفتح كل الحدود ، فلماذا يجوع أهلنا في معسكرات اللاجئين بشرق تشاد ؟ لماذا لم يطعمونهم وهم خارج مناطق الحرب ؟
~ بدا لي من وراء الإجابات في الجلسة الليلية الخاصة مع دكتور جبريل ، أنه متناغم مع الرئيس البرهان ويشكل معه ثنائية تفاهم سياسي وتنفيذي.
~ لاحظتُ أن غلاء أسعار السلع في بورتسودان فاحش وغير محتمل للمواطن ، وكذا الحال بدرجة أقل في أم درمان ونهر النيل والشمالية وبقية ولايات السودان ، ولابد من اتخاذ إجراءات عاجلة وناجعة من وزارة المالية وبنك السودان المركزي للسيطرة على ارتفاع التضخم وتصاعد سعر صرف النقد الأجنبي مقابل الجنيه ، وذلك بعقد اتفاقيات مع دول صديقة وشقيقة لتوفير السلع الأساسية بالعملات المحلية أو عبر قروض سلعية ، وفي رأيي أن أداء البنك المركزي يحتاج للمزيد من الجهد والأفكار الجديدة لاحتواء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها المواطن ، دون الاكتفاء بحجة تأثير تداعيات الحرب على الاقتصاد وهو أمر معلوم بالضرورة.
~ نواصل في الحلقة القادمة