اقتصاد

خبراء: اتساع الفجوة.. بين مد الصرف وجزر الدخل

أسر تعاني في صمت
تقرير ـ نجدة بشارة
ما زالت تداعيات الانفصال وحرمان السودان من (75%) من المخزون النفطي الذي يشكل (68%) من موارد البلاد، تلقي بظلالها السالبة على الأوضاع المعيشية في السودان حتى أن المجتمع تحول إلى طبقتين لا ثالث لهما.. طبقة ذات دخل عالٍ وأخرى تحت خط الفقر.. إذ لا شك أن المتغيرات التي حدثت عقب الانفصال أدت إلى اختلال في الموارد وتغيرات في سعر الصرف.. وبالتالي تغيرت الإحصائيات التي صدرت في العام 2009م والتي قدرت أن نسبة الفقر في السودان بلغت (46%)، منها (26.5%) من سكان المدن و(57.5%) من سكان الريف، وبالتالي حدث تغير في أنشطة السكان وسبل كسب العيش وأولويات مصروفهم، وأحدث فروقات كبيرة في نسب الفقر حتى أن منظمات أممية أصدرت تقارير تشير إلى أن (80%) من السكان السودانيين يعيشون تحت خط الفقر.. ورغم أن الحكومة قللت من هذه التقارير متمسكة بالنسبة القديمة.. فالآن واقع الحال يحكي غير ذلك.
وكشف الجهاز المركزي للإحصاء في تصريح لـ(المجهر) أن متوسط دخل الفرد للعام السابق بلغ (15.166.7)جنيه سنوياً، وتوقع رئيس قسم إدارة الدخل القومي بالجهاز المركزي للإحصاء “زينب علي” أن يتراوح دخل الفرد اليومي بين (42) و(41) جنيهاً، اى ما يعادل (3) دولارات يومياً وحوالي (1.260) شهرياً
وإذا وضعنا في الاعتبار أن منصرفات الفرد خاصة (أرباب) الأسر تتراوح يومياً ما بين (50 إلى ـ 70) جنيهاً في أقل التقديرات للاستهلاك من طعام وشراب ما عدا الملبس والسكن وخدمات الصحة والتعليم، فإن حسابات الدخل قد لا تتوافق مع المنصرفات للأسر ذات الدخل المحدودة.. وهذا ما يجعل الأسرة تحت خط الفقر.
الخبير الاقتصادي وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق د.”عز الدين إبراهيم” قسم نسبة الدخل في السودان إلى (ثابتة) ونسبها إلى العاملين بالدولة والبالغ عددهم (1.5) مليون، وأصحاب الدخل المتحرك وهى الشريحة الأكبر في المجتمع إذا اعتبرنا أن عدد السكان في السودان (40) مليون نسمة، وقال إن التضخم وارتفاع المنصرفات يظهر أثره جلياً على أصحاب الدخل الثابت، وضرب مثالاً على ذلك بأن هنالك من يملك منزلاً تقدر قيمته بمليارات الجنيهات ولا يملك (حق العشاء)، لذا اعتبر أن هنالك خطاً فاصلاً بين (الدخل والثروة)، واعتبر أن أغلب الأسر السودانية رغم تصنيفها تحت خط الفقر، إلا أنها تمتلك (أصول وأملاك) (مجمدة)، وذهب إلى أن الإشكال في السودان يعتبر مشكلة (سيولة) أو نقود جارية، وأشار د.”عزالدين” إلى أن هنالك أشخاصاً يعيشون في السودان بنسبة (دخل) ضعيفة إلا أنهم يملكون ميزانية إضافية تأتي من المغتربين بصفة ثابتة، وأكد أن إيرادات المغتربين تقدر بحوالى (7) مليارات دولار سنوياً، واعتبر أن هذا عائد كبير يساهم في رفع المعاناة عن كاهل الكثير من الأسر، خاصة إذا قدرت الإحصائيات أن عدد تأشيرات الخروج يومياً تصل إلى (5) آلاف تأشيرة، وهنالك حديث عن هجرة (50) ألفاً من الكوادر خلال العام 2015م.
ونأى د.”إبراهيم” بالدولة عن المسؤولية الكاملة في معاش الناس وقال إن الدولة تمهد للناس الطرق والتعليم والصحة ولكن الفرد تقع على عاتقه المسؤولية الكبرى، وقال (على الرغم من أن هنالك معدل بطالة أكبر إلا أنه يقابله نقص كبير في العمالة خاصة في قطاعات كالزراعة).
ومن ذلك نرى أن الفقر يظل عقبة أساسية في سبيل تحقيق التنمية وخطراً يهدد الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي بالإضافة إلى أن الفقر يساهم في ترك الملايين من البشر عرضة لليأس والجوع والحرمان من أبسط مقومات الحياة، بالإضافة إلى انخفاض المهارات والقدرات البشرية للفقراء وقد ينتهي بهم الحال إلى العزلة الاجتماعية وينأوا بأنفسهم عن المجتمع.
وبالحديث عن الفقر كواقع معاش، لا بد أن تعي الدولة أن هنالك فجوة بين المنصرفات للفرد وبين الدخل، هذا بالإضافة إلى ارتفاع التضخم الذي أكثر ما يؤثر على الفقراء ويخلق تفاوت في طبقات المجتمع.
وفى السياق يرى خبراء ضرورة أن تكون هنالك خطط واضحة للعيان من قبل الحكومة لتقليل العبء الواقع من ارتفاع معاش الناس خاصة إذا تضمن ذلك التعليم وارتفاع تكاليفه (للنجاح ثمن غالي)، بالإضافة إلى السياسة غير الرشيدة في تجفيف أغلب المشافي الحكومية والاستعاضة عنها بالخاصة.
وذهب الخبراء إلى أنه ما لم يتم (ردم) الفجوة الواقعة على المواطن، فإن ظواهر كثيرة ستتنامى كالفساد وانتشار الجريمة و(ربطوا تدهور المجتمع الأخلاقي بالتدهور الاقتصادي وعدم قدرة الأفراد على التكيف مع أوضاعهم المادية المعقدة، ولعل الترهل والإنفاق الحكومي الأولي أن يذهب (لردم) فجوة الفقر حتى لا نتحدث لاحقاً عن الانهيار.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية