ولنا رأي

استنساخ "أيلا"

في وقت مضى زرت مدينة بور تسودان ضمن وفد من وزارة المعادن، وقبل أن تهبط بنا الطائرة كانت الغيوم تغطي المنطقة وما أن نزلنا أرض المطار واتجهت بنا العربات إلى داخل المدينة، كنت أنظر يميناً ويساراً وأشاهد المباني والانترلوك. لم أصدق عيناي هل فعلاً نحن داخل أرض سودانية أم في إحدى دول الخليج، ولكن تأكد لي نحن فعلاً في أرض سودانية وواليها سوداني يدعى “محمد طاهر أيلا”. عرفت السيد “أيلا” تقريباً في العام 2003 أو أربعة وأجريت معه حواراً بعيداً من مكتبه بالخرطوم، تحدثنا بعيداً عن السياسة والإنقاذ وكان جانباً آخر عن حياته مولده ونشأته ودراساته إلى آخر شيء عن الجانب الاجتماعي فيه.
في بور تسودان جبنا طرقها فشاهدنا تحولاً كبيراً قد طرأ عليها وتحولت تماماً إلى مدينة تبهج النفس وتدخل المسرة في قلب كل من زارها، احتفظت بور تسودان بألقها وجمالها طوال وجود واليها “أيلا”. لا أدري ما هو حالها الآن وهاهو “أيلا” ينتقل إلى مدينة أخرى أصابها الخراب والدمار، ورأت الحكومة أن ينتقل “أيلا” من والٍ على البحر الأحمر إلى ولاية الجزيرة، ولكن هل استقبلته الجزيرة بالدفوف والطبول أم استقبلته بالمكايدات والدسائس. بدأ “أيلا” مشروع النهضة بالجزيرة ولكن بدأت العقبات تضع في طريقه وبدأ أصحاب المصالح والغرض يضعون له المتاريس، ولكن بهمته العالية لم يلتفت إلى المخذلين ولا أصحاب الغرض. أغلق كل منافذ الفساد عنهم واستمرت الحرب الخفية والمعلنة وتحولت الجزيرة إلى لوحة رائعة بفضل الجهود التي قام بها “أيلا”، ازدانت الجزيرة وشوارعها وعرفت الانترلوك ورصفت الطرق وجرى تخطيط جديد للمدينة وقام بتعويض المتضررين من أي عمل يعتقد البعض أن “أيلا” كان غير محق فيه. وهاهو رئيس الجمهورية يجدد له البقاء بولاية الجزيرة إلى أن يأتي قضاء الله. “أيلا” مواطن سوداني لم ينزل من السماء ولم تتدفق عليه أموال من السماء ولم يجد دعماً من أوربا ولا أمريكا ولا دول الخليج، استطاع أن يوظف المال الموجود والإمكانيات المتوفرة بالجزيرة ومساعدة الحادبين على مصلحة الوطن من أبناء الجزيرة، ولذلك نهض “أيلا” بالجزيرة في فترة وجيزة إذا أتت مقارنة أي والٍ تسلم زمام الأمر معه وفي ولاية أخرى من ولايات السودان، فلن نجد هذا الوالي قد رصف طريقاً واحداً وليس تحولاً كاملاً كما فعله “أيلا” بالجزيرة. لا ندري ألم تكن للذين تولوا مقاليد الولايات معه لهم مثل همته أم أن “أيلا” ليس سودانياً وجاء من السماء ليقدم لنا هذه التجربة الجديرة بالدراسة إن كانت في البحر الأحمر أم الجزيرة، وهل بالإمكان أن نستنسخ “أيلا” آخر للخرطوم أو كسلا أو القضارف أو أي ولاية من الولايات التي تعاني من إهمال مسؤوليها، ألم ينظر ولاة الولايات الأخرى إلى تجربة “أيلا” وتجربة “أحمد هارون” وهي من التجارب الجديرة بالدراسة وهل بإمكان الدولة أن تستنسخ لنا “أيلا” و”هارون” ليصبح السودان دولة تشبه دول العالم المتحضر. ولكن استنساخ “أيلا” من الصعب في وجود الهمباتة واللصوص وفاقدي الضمير، فما لم يكن المستنسخ بنفس قوة “أيلا” وبنفس القوة التي منحها الرئيس له فلذا دعونا نجد مستنسخاً آخر لـ”أيلا” على الأقل بولاية الخرطوم التي أصابها الإهمال والتردي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية