تقارير

الدولار مستمر في الارتفاع وخبراء يطالبون الدولة بإجراءات حاسمة وعاجلة

كيف انتقل البنك المركزي إلى جوار برج البركة، ولماذا السلطات تخشى القبض على السماسرة؟
“حمدي”: سيصل الدولار إلى (50) جنيهاً، حال لم تتخذ الحكومة هذه الإجراءات
الخرطوم ـ سيف جامع
بوتيرة متسارعة يواصل الجنيه السوداني هبوطه في سوق العملات الأجنبية ، في مقابل الدولار والعملات الاجنبية الاخرى، وسط ذهول المواطنين الذين فضَّلوا مراقبة الوضع بالسخرية، خاصة مع رفع العقوبات الأمريكية التي كانت تتحجج بها الحكومة في تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد، وانخفض سعر الجنيه خلال الأشهر الماضية، بمتوالية هندسية تبعه بالمقابل ارتفاع جنوني في أسعار السلع الاستهلاكية كافة، فيما ظلت معالجات الدولة مجرَّد حديث لم يتخط أدراج المكاتب وقاعات الاجتماعات، وفي المنطقة التي تقع جوار برج “البركة” فندق “أراك” المهجور، حيث يوجد هنالك مقر بنك السودان المركزي ومن يحدِّدون أسعار العملات منذ الصباح الباكر وفي أوقات المساء، وأصبحت تلك المنطقة الوجهة المفضَّلة للمصدِّرين والمسافرين وليست الصرافات والبنوك.
تنبؤات “حمدي” الصادقة
وكانت(المجهر)  قد طرحت سؤالاً على الخبير الاقتصادي المعروف “عبد الرحيم حمدي”، عن توقعاته لسعر الدولار أثناء زيارته لصحيفة (المجهر) قبل حوالي عام، حيث ردَّ حينها أن سعر الدولار لن يتوقف وسيصل إلى الـ(50) جنيهاً، وكان وقتها سعر صرف الدولار لم يتجاوز الـ(11) جنيهاً، ومرت الأيام وبدأ الدولار في مواصلة سعره ومؤخراً التقينا بـ “حمدي” في فندق “كورنثيا” بالخرطوم لنعيد عليه ذات السؤال، فجاء رده: (أنا في رأيي ما يتحدَّثوا عنه تاني ـ أي الدولارـ فقط يتجاهلوه، ويشتغلوا شغلهم وأنا شفت في بلاد مثلاً زي تركيا عزمت ناس وجبة دفعت (27) مليون ليرة، ما سألوا عن الدولار إلا بعد أن استقلوا، تركيا جاءت من الدولة الكم وثلاثين إلى الـ(17) عالمياً، الناس بتشتغل ما بتتكلم، لكن أنتو عاوزين كلام، وعاوزين تحلوا المشكلة بالكلام، الناس هنا ما بتشتغل ما عندها مزاج للشغل عشان كده ما يتكلموا ساكت ـ لذلك انسوا الدولار تماماً، لأنها ما مشكلتكم، هناك (1800) موظف، في بنك السودان، مهمتهم اسمها الدولار ـ لكن وزارة المالية تقول ليك الدولار والمصدِّرين والمنتجين يقولوا الدولار، ومفترض ينتجوا ويصدِّروا، والآن كل يوم في ندوة أو ورشة عن الصادر وما في عمل، والوزراء يقولوا نتبنى كل التوصيات وما بحلوا توصية واحدة.
الاستلاف من الجمهور هو الحل
وقدَّم الخبير “عبد الرحيم حمدي” مقترحاً للدولة بأن تتجه إلى الاستلاف من الجمهور، وأنا قلت الكلام علناً في كذا موقع، قبل أيام طرحت وزارة المالية (850) مليون جنيه، أنت عارف جاتها كم في عشرة أيام، استردت (3) ترليون ونصف، يعني رجعتها قبل أن يتم الاكتتاب، الذي يمكن أن يستمر شهراً، القروش أصبحت عند الجمهور وهي المورد الرئيس، المورد الثاني البنوك حيث نحتاج لـ(65%) من أموال البنوك، احتياطي المركزي، شهادات شهامة وغيرها وممكن تنزل النسب دي القروش تجيك نازلة. وأضاف ” هذا الاستلاف لتحريك البلد، من سنة 2000 العالم كلو يضخ مبالغ أسموها (التيسير الكمي)، أمريكا تضخ قروشاً، لكن السودان يمسك القروش، يجروا لجوه يا أخوانا نحنا شغالين طلب ـ وهم خايفين من نتائجه إذا طبقوه يرفع الأسعار.
مسلسل بلا نهاية
ويرى الباحث والمحلل الاقتصادي “هيثم محمد فتحي” أن مسلسل ارتفاع الدولار في السوق الموازي أضر بكثير من المستوردين في الأسواق الداخلية وتضرَّر المواطن في المقام الأول نتيجة هذا الارتفاع المتكرِّر بسبب ارتفاع الأسعار داخلياً، وداعياً إلى وضع معالجات عاجلة للحد من ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي نظراً للتداعيات السالبة على مجمل الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، والتي تؤدي إلى ارتفاع معدَّلات التضخم والزيادة من التضخم الركودي.
وأوصى بعدة مقترحات لمعالجة الأمر منها دعم القطاعين الزراعي والصناعي من خلال خفض الضرائب المفروضة عليهما، وتقديم التسهيلات لتشجيع المنتجين، وإلغاء كافة أنواع الجبايات بين الولايات، وتأمين حرية انسياب السلع داخل حدود الدولة دون أية قيود، فضلاً عن تشجيع القطاع الخاص المنتج في الزراعة والصناعة، وتوفير كافة الشروط التي تزيد من قدرته التنافسية وعلى نحو خاص في إنتاج السلع التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن من غذاء وكساء، وتمكينه من إنتاج هذه السلع بتكلفة أقل.
وفي رزمانته العملية التي أطلقها دكتور “هيثم” عبر (المجهر) قال إنها تشمل الإجراءات الهادفة إلى تشجيعه تقييد استيراد السلع والخدمات المماثلة والبديلة للإنتاج المحلي، وتوفير المحروقات والطاقة الكهربائية بأسعار تمكِّن المنتجين من خفض تكاليف الإنتاج وتحقيق وفرة، وكذلك خفض الضرائب ومنع الازدواج الضريبي في المركز والولايات والمحليات المفروضة على المنتجين وخلق البيئة الاستثمارية الملائمة للمستثمرين.
واعتبر دكتور “هيثم” أن الطلب على الدولار ليس بغرض الاستيراد وإنما وجود طلب داخلي للحفاظ على قيمة المدَّخرات، مؤكداً أن هناك تشويش على العرض والطلب عبر المضاربة بحيث يلجأ المواطن لملاذ آمن حفاظاً على ما يملك من عملة فيقوم بشراء العقارات أو الذهب والبعض يفضِّل النقد الأجنبي لسهولة الحصول عليه وسهولة بيعه.
مضاربات وتخزين وافتعال للطلب
وفي الأسبوع الماضي قال الأمين العام لجهاز المغتربين “كرار التهامي” إن السودان فقد “4” مليارات من مدخرات المغتربين، تم تحويلها خارج البلاد لإحدى الدول الشقيقة لشراء شقق وعقارات، ما تسبب، أيضاً، في تدهور الجنيه وأدى لانخفاض قيمة الجنيه إلى تأثير في عجز موازنة الدولة، حيث أن عجزها بلغ أكثر من (18) مليار جنيه، بين الإيرادات والمنصرفات، بينما بلغ عجزها (8) مليارات دولار، في الميزان التجاري.  ويشير دكتور “هيثم” إلى أن العملة أصبحت سلعة تخضع للمضاربات والتخزين والندرة أو افتعال الطلب ، مشدِّداً على ضرورة تغيير في الأوضاع الاقتصادية غير منفصلة لارتفاع سعر الدولار والتضخم لابد من برنامج متكامل للمعالجة.
ونوَّه قائلاً: “من الممكن إذا حرِّر سعر الصرف بالكامل للعملات الأجنبية بكون هناك استقرار لسعر الجنيه السوداني، مقابل العملات الأجنبية، مؤكداً أن مصادر الخلل تكمن في القطاع الخارجي (الصادرات والواردات)، لأن العجز في الميزان التجاري يفوق إجمالي قيمة الصادرات، وقال: “البلد تصدِّر مواد خام في صورة منتجات خام، وهذا يسمى باقتصاد صادرات الموارد وهو الوصفة الكلاسيكية المضمونة لاستدامة الفقر والتخلف لعدم إدخالها في الصناعة التحويلية، وإضافة قيمة لها وهذا لا يصح في دولة لها مواردها الطبيعية والبشرية.
 مع حديث الحكومة عن معالجات لكبح جماح الجنيه يقول “هيثم فتحي”: “لا يمكن أن يصمد ويقوِّى الجنيه السوداني إلا بالعمل والإنتاج في كل المجالات بدءاً بالزراعة ومروراً بالصناعة، وانتهاءً بالتجارة وتكنولوجيا المعلومات، وأن تقوم الحكومة بتفعيل قانون تفضيل المنتجات الوطنية لدى الأجهزة الحكومية وتطبيقه بكل صرامة وعدم السماح بدخول أي سلعة مستوردة لكل الأجهزة الحكومية والعامة ما دام لها بديل محلي، على سبيل المثال مواد البناء ومروراً بالأثاث  ووسائل النقل والسيارات بجانب كبح جماح (هوس) الاستيراد الذي اجتاح كل شيء وأي شيء، فأصبحنا نستورد أي شيء من الخارج بعد أن كان ذلك هو شعارنا للتصنيع والاكتفاء الذاتي، معتبراً التحرير الكامل للدولار وللعملات الأجنبية، وهو قرار خطير ستكون له آثار سلبية عديدة، لكن تلك الآثار ستكون وقتية وبعدها ستختفي السوق السوداء للعملة تماماً، وسيكون في مقدور أي شخص الدخول والخروج بعملة أجنبية دون مشكلات، وهو ما يحمل انعكاساً إيجابياً مباشراً على الاستثمارات الأجنبية التي تندفع وتتدفق، حيث توجد الثقة. ورأى الخبير “فتحي” أن فجائية وتعدد القرارات تشير إلى تذبذب السياسات النقدية، وأنه لا توجد خطة واضحة لمواجهة السوق السوداء للعمل، لذلك لابد من إجراءات حاسمة وعاجلة تعمل على جذب العملة الحرة وترشِّد من استخدامها.

منطقة برج البركة تحدٍ للحكومة
وبعيداً عن حديث الخبراء وتوقعاتهم، ففي الواقع ثمة تحدٍ كبير يواجه الحكومة في محاربة السوق الموازي، خاصة بعد أن تحوَّل السوق إلى مركز مالي عتيد، ورغم الإجراءات غير المشدَّدة والحملات المتقطعة التي تنفذها السلطات لمحاربة السماسرة؛ به إلا أنهم ينتشرون في العلن في وسط العربي في محيط برج البركة غير آبهين بالملاحقات. ويقول سمسار رفض ذكر اسمه: (نحن لا نمارس نشاطاً محظوراً، لأنه لا يوجد قانون يمنع العمل في استبدال العملات الأجنبية، كما أنه لا قانون، أيضاً، لنحاكم به، لذلك ربما تخشى السلطات مطاردتنا، أما (الكشات) فأشار إلى أنها تتم مرات والذين يتم القبض عليهم يطلق سراحهم بعد ساعات دون عقوبات، وعن حجم النقد الأجنبي بالسوق الموازي يضيف السمسار: “هنا إذا طلبت أي مبلغ ستجده، والمعاملات الكبيرة لا تتم في الشارع وإنما في مكاتب ووكالات يوجد بها موظفون ومديرون) وعن سعر الدولار اليوم ـ أمس (السبت)، أوضح أنه يتراوح ما بين (25) إلى (26) للبيع، أما البيع فحسب التفاوض
 نوعية الزبون والوقت وعامل الزمن سواءً أكان صباحاً أو مساءً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية