عنوسة "زينب"!!
{ لم تنزعج “زينب” صديقتي يوماً من تواجدها في بيت أبيها رغم أن سنوات العمر قد تسربت من بين أيديها وأطلت علامات الكبر على تفاصيل وجهها الممتلئ بالطيبة والحنية، للدرجة التي باتت مصدراً للسخرية والاستهزاء من قبل بنات منطقتها التي خلت من نديداتها تماماً بعد سيطرة كاملة لمولودات التسعينيات اللاتي بدأن في الانخراط الأسري وإنجاز المهمة وانجاب الأطفال والتجهيز لاستقرار حياتي يعينهن على مستقبل مشرق.
{ “زينب” لم تفكر في كل التفاصيل والحيثيات المطروحة أمامها ولم تلتفت إلى كلمات شقيقها المسمومة، الذي يصر من خلالها أن يجرحها صباح كل يوم ويشير فيها إلى عنوستها وقطار الزواج الذي غادر محطتها منذ أمد بعيد، ولكن ابتسامة “زينب” كانت سيدة للمكان والزمان وظلت هادئة وبشوشة ومطمئنة تطالب والدتها بالدعاء وتركن إلى حضن والدها أملا في فرج قريب يعينها على الانعتاق من الأوضاع التي تعيشها ثم تتوارى خلف وسادتها وتنهمر دموعها بغزارة.
{ دموع “زينب” السرية كانت بداية لقصة طويلة كتبها القدر والغدر الذكوري على تفاصيل هذه الفتاة التي كانت تظن خيراً في هذه الدنيا إلى وقت قريب، قبل أن يلتهمها هذا الذئب البشري ويورطها في مشكلة لا ذنب لها فيها وإن كانت مشاركة بقدر كبير في تفاصيلها وجزئياتها، إذ إن الحب الذي زرع في قلبها إبان تواجدها في الجامعة قد عمى بصيرتها وأغلق عقلها إلى حين إشعار آخر وتمكن من تفكيرها بشكل كبير، للدرجة التي صارت فيها أداة يتلاعب بها هذا المتوحش كما يشاء وكيفما يشاء.
{ لم تتمكن “زينب” من رفض أي حديث يدلي به محبوبها ولم تستطع أن تقول كلمة لا في حضرته، خوفاً وقلقاً من مغادرة تجعلها فاقدة للإحساس بالحياة، ولكنها لم تكن تعلم أن الحياة فقدت رونقها بمجرد أن عرفت هذه الشخصية التي لا تعرف الدين ولا الأعراف ولا التقاليد التي تشبعنا بها، لأن همه الأول محصور في كيفية إشباع رغباته الحيوانية ومن ثم البحث عن مصادر مالية تعينه على الحياة والهروب الأبدي بحثاً عن ضحية أخرى وقد كان.
{ لم تبخل “زينب” يوما بمال لهذا الرجل الذي اتضح أنه فاقد للرجولة والإنسانية ولم تفكر قط في أن غرضه الأول محصور في إشباع رغباته والاستفادة المادية منها قدر المستطاع ومن ثم يمارس ذات الطريقة التي اتضح أنها قد مارسها مع أخريات كثر. استباحت “زينب” نفسها وحملت ما تمتلكه من مال إلى عشيقها الذي أوهمها أن الاغتراب سيكون المنقذ الوحيد لتكوين ذاته ومن ثم الحضور إلى بيت أبيها لإكمال الزواج، بعد أن خدعها بورقة عرفية مكتوب فيها زوجتك نفسي مع امضاءات لشخصين من أصحابه المتعودين على هذه التفاصيل.
{ غادر الذئب المتوحش إلى غير رجعة بعد أن (لهف) ما يقارب المائة مليون باعت فيها زينب قطعة أرض تمتلكها وقطعة من الذهب الخالص بالإضافة إلى وريقات وضعتها في البنك تأميناً للمستقبل، ظناً منها أن السعادة ستكون على موعد معها، ليتضح أنها تعرضت إلى خدعة كبيرة تحت لافتة الحب.
{ ما يحدث من عذاب مرير لزينب قد حدث لأخريات كثر مع اختلاف التفاصيل والحكايات، لأن الأخلاق قد بيعت في سوق الله أكبر، والمبادئ لم تجد طريقاً إلى قلوبهم التي امتلأت بالسواد وحب الذات فكان الانهيار الأخلاقي والمجتمعي الذي تمخض عن عنوسة بمسببات مختلفة والجميع يتفرج علي هذا العبث.
{ الانهيار المجتمعي والخداع الذي يمارس من قبل بعض الرجال لابد أن يجد مساحات للتناول في إطار التوعية والتنبيه لمخاطر هذه العلاقات التي اتضح أنها مخططات شبابية متقنة وبوابة كبيرة للاحتيال العلني بالمشاعر، إذ إن الأجيال القادمة لابد أن تعي هذه التصرفات وتتحرك بموجبها بحملات مضادة تستوعب الطيب وتكشف الخبيث وترمي به في غياهب التاريخ.
{ المستقبل لابد أن يكون بالعرق الحلال والمشاعر الصادقة والإحساس بالمسئولية وليس العكس، لأن المكون الإنساني يطالب بالسعادة الأبدية التي تبدأ بالحب الصادق البعيد من المكاسب الشخصية والذاتية وتنتهي عنده.
{ وجمعة مباركة عليكم.