مها الرديسي تكتب : طرق الموت السريع .. انتهاك الخصوصية !
تداول ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي صوراً لحادث مؤسف على طريق الموت السريع .. الخرطوم _ مدني حيث لقى (8) أشخاص مصرعهم فيما أصيب (13) آخرون جراء تصادم عربة ( دفار جامبو) مع حاملة ركاب عند منطقة أم مغد بمحلية الكاملين مساء الأحد 12/9.
نترحم على أرواح المتوفين و ندعو الله بعاجل الشفاء للجرحى .. ربما يتبادر لذهن القاريء أنني سأتحدث هنا وبإستفاضة عن الخسائر البشرية و المادية و سوء حال الطرق السريعة في السودان و فقدانها لشروط السلامة العالمية و أنني سأعرج على التركيز على أسباب حوادث طرق المرور السريع و سلوكيات و نفسيات سائقي البصات السفرية و المركبات الخاصة و ما إلى ذلك من تفاصيل.
و بالفعل هذه الكتابات و رغم أهميتها إلا أنها أصبحت مستهلكة لدرجة أن الكل بات يحفظها و يعلم أن أسباب الحوادث المرورية على الطرق السريعة يمكن أن تلخص في ثلاث أو أربع نقاط .. سوء الطرق السريعة ، الإهمال والتهور و التجاوز الخاطىء و تعاطي المنشطات و المخدرات من قبل بعض سائقي الشاحنات و البصات و الحافلات و عدم خضوعهم للكشف الطبي الدوري من قبل الجهات المختصة لتفادي مثل هذه الحوادث المميتة ..
لكن حديثي اليوم هو عن هذه الصور المتداولة بكثافة لهذا الحادث المؤلم و الملتقطة من مسرح ضحايا حادثة أم مغد لسيدة في العقد الرابع من عمرها و هي تجلس على الأرض منحسرة الملابس و على وجهها تبدو علامات الذهول والصدمة النفسية التالية لمثل هذه الحوادث العنيفة .. لدرجة أنها أصبحت غير مدركة لما يحدث حولها .. هل هو واقع أم كابوس و هل ينتهي قريباً .. هذا المصور الهاوي وبكل تركيز و حرص استغل هذه السيدة من خلال لقطتين أمامية وأخرى جانبية لافتاً النظر لهول و بشاعة الحادثة على الناجين ..ربما كان هذا هو التحليل البرىء إن قدمنا حسن الظن في قراءة هذه الصور .. و لكن وبكل أسف لا يدرك كثير من المتعاملين مع الوسائط وحاملي الهواتف الذكية مدى خطورة أن تخترق مسرح حادث لتقوم بتصوير ضحايا و ذلك وفقا لقانون 2007 من قانون المعلوماتية السودانية و يمكن أن تصنف هذه الصور المتداولة لهؤلاء الضحايا جريمة تحت المادة ( 16) و التي تنص على العقوبة بالسجن لمدة لا تتجاوز 3 سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً في حالة انتهاك حرمة الحياة الخاصة و ذلك بتصوير أناس في بيوتهم أو في مكان عام دون علمهم .. فما بالك بمسرح حادث لا يفترض أن يتواجد به إلا المنقذون والمسعفون و أصحاب النخوة والفزعة و الكرامة من الأهالي الذين يحرصون على صون و ستر العورات و يقومون بتغطية النساء حتى لا يتكشفن أمام كاميرات المتلصصين و الباحثين عن الإثار ..
حقيقي لم أشاهد من قبل رجلاً سودانياً يعمل بكل هذا الحرص على تصوير إمرأة سودانية و هي في هذه الحالة من الضعف و قلة الحيلة و الصدمة النفسية التي تعكسها هذه الصور ..
هذه السيدة كانت من الضحايا الناجين و هي أيضاً أحد ضحايا كاميرا الهاوي المتطفل غير المدرك لما يفعل ..
هناك قصور إعلامي واضح بتمثل في عجز أجهزة التلفزيون و الإذاعة و الصحف عن تقديم برامج توعوية و إرشادية في قالب سهل الإستيعاب ،يوجه للجمهور للمساعدة على الإلمام ببعض الثقافة القانونية فيما يخص جرائم المعلوماتية و الجرائم الإلكترونية ، حتى لا يقع كثير من المستخدمين رهن اللحظة و الحدث دون تفكير في عواقب الفعل ..
لابد أن يخطر عل بالك هذا النوع من الاسئلة … هل هو مسموح لي أن أفعل ذلك ؟ هل هناك نص قانوني يجرم هذا الفعل ؟ …الخ
أسئلة لابد أن يطرحها على نفسه كل حامل هاتف ذكي قبل أن يفتح الكاميرا و قبل أن ينقل و يشارك .